الساحل الغربي ملتقى الأطماع الاستعمارية « الحلقة 52 »
الاستعمار الايطالي في البحر الأحمر (1850- 19000م)
يعد افتتاح قناة السويس عام 1861م حدثاً مهماً وبارزاً لفت أنظار حكومات أوربا وساستها نحو البحر الأحمر الذي زادت أهميته كثيرا بعد افتتاح القناة التي جعلت منه شريانا حيويا في المواصلات بين الشرق والغرب
وسرعان ما بدأ بعد ذلك مباشرة الزحف الاستعماري نحو سواحل البحر الأحمر، وكانت ايطاليا كغيرها من الدول الأوربية التي ارتادت هذا الميدان الاستعماري.
والجدير بالذكر أن علاقة إيطاليا بهذه المنطقة قديمة ترجع إلى أيام الإمبراطورية الرومانية وامتدادها إلى هذه المنطقة، ولقد لعبت إيطاليا (كولايات لا كدولة واحدة) دوراً كبيراً في تجارة المنطقة فقد كان بين ولايات (فبيزا وجنوة والبندقية) علاقات تجارية توطدت منذ العصور الوسطى، إضافة الى الدور الخطير الذي لعبته الموانئ الإيطالية وخاصة جنوة والبندقية في نقل تجارة الهند والشرق من الموانئ المصرية الى أوروبا ولقد أثرت الموانئ الإيطالية من جراء ذلك حتى انتهى الأمر باكتشاف البرتغاليين لطريق راس الرجاء الصالح كما حاولت هذه الولايات مع مصر التصدي للبرتغاليين وإعادة التجارة للطريق القديم ولكن هذه المحاولات لم تثمر في حينها.
اما فيما يتعلق بدور ايطاليا في هذه الفترة فجاء في ثياب الاستعمار واستغلال المنطقة لا للتجار معها ومن الملاحظ ان مجيء ايطاليا الى المنطقة كان متأخرا بعض الشيء بل مقارنة مع من سبقتها اليه الدول الأوربية الاخرى في المجال الاستعماري وذلك لما كانت تعيشه ايطاليا نفسها من حالة تفكك وعدم استقرار وبعد ان توحدت ايطاليا تحت تاج بيد منت في فبراير 1861 م أراد الايطاليون تعويض ما فاتهم من احتلال فرنسا لتونس في منطقة البحر الأحمر ولقد كان لهذه الخطوة الفرنسية الأثر الكبير والعميق لدى الايطاليين اذ اعتبروها ضربه موجهة إلى مصالحهم في حوض البحر المتوسط وتجدر الإشارة الى ان ايطاليا لم تكن مهيأة لتكون دولة كبرى اذ لا يوجد في البلاد الا الشيء القليل من الفحم إضافة الى ان تربتها فقيرة لا تستطيع مد الشعب جميعه بما يحتاجه من القوت الضروري كما ان مسألة الوحدة قد جلبت معها مشكلاتها نتيجة لتوحيد الولايات الإيطالية المتباينة ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً بالإضافة لمشكلة الهجرة التي أتت بسبب البطالة وكانت إفريقيا أولى الميادين التي تطلعت أنظار ايطاليا نحوها إضافة الى ان هذا التفكير من قبل الحكومة الايطالية يأتي نتيجة لإدراكها مسبقاً لأهمية البحر الأحمر وضرورة السيطرة على موقع من اهم مواقعه, وهو ساحل الدناكل على الرغم من حدة التنافس والصراع في هذا الميدان الاستعماري وعلى الرغم من حداثتها فيه ومما ساعدها في ذلك عوامل الضعف والتخلف والتناحر بين شيوخ القبائل علاوة على ضعف السيادة المصرية على ساحل البحر الأحمر الغربي وكما رأينا فيما سبق ان بريطانيا قد ساعدت ايطاليا كثيرا في تدعيم وجودها في المنطقة.
غير ان الجهود السياسية الأولى التي قامت بها حكومة بيد منت في أواخر العقد الخامس من القرن التاسع عشر قد سبقتها جهود أخرى ذات طابع تبشيري، ولقد كان لهذا النشاط التبشيري اثره في تشجيع حكومة بيد منت على السعي نحو إيجاد موطئ قدم في المنطقة، وما لبث افتتاح قناة السويس ان حفز المملكة الايطالية الحديثة على بذل المزيد من النشاط في هذه الأرجاء لتأسيس محطة تجارية على ساحل البحر الأحمر ,ضاربة عرض الحائط بحقوق السيادة العثمانية- المصرية عليه .