وحدة السّاحات والجهاد
تتوالى الخيبات والهزائم الصّهيونية بالرّغم من كلّ ما تبذله المؤسّسات الأمنيّة والعسكريّة في الكيان المؤقّت من جهدٍ ومناوراتٍ وعمليّاتٍ عسكريّةٍ كان آخرها معركة وحدة السّاحات
التي أراد العدوّ من خلالها إيصال عدّة رسائل في الدّاخل والخارج. فعلى المستوى الدّاخلي أعرب كبار القيادات الأمنيّة والعسكريّة عن أملهم بأن تكون عمليّة غزّة الأخيرة قد أدّت رسالتها للدّاخل الفلسطيني من خلال فرض معادلاتٍ وقواعد اشتباكٍ جديدةٍ للوصول إلى تحقيق هدنةٍ لفترةٍ زمنيّةٍ أطول. أمّا على المستوى الخارجيّ فكان الهدف الأساسي من العدوان على غزّة هو إيصال رسالةٍ إلى حزب الله اللّبناني تقول إنّ الكيان الصّهيوني جاهزٌ لمواجهته في ظلّ تصاعد التّوتر بين لبنان والكيان الصّهيوني على خلفية النّزاع حول الحدود البحريّة وحقوق لبنان الغازيّة والنّفطيّة.. توقعات كبار الضّباط الصّهاينة والسّياسيين منهم سرعان ما تبخّرت ولم يتحقّق منها شيء وفقاً لما يلي:
1 – بقاء حركة الجهاد الإسلامي حتّى اللّحظة الأخيرة من المعركة في حالة التّأهّب والمحافظة على غزارة النّيران واستهداف عمق الكيان رغم ما شنته طائرات العدوّ من غاراتٍ.
2 – عدم تأثّر حركة الجهاد في الأداء القتالي وتوسيع بقعة الاستهدافات وفتح بنك الاهداف للردّ بعمقٍ أكبر بالرّغم من اغتيال قائد الجبهة الشّمالية في سرايا القدس تيسير الجعبري والقائد خالد منصور.
3 – إخفاق العدوّ وفشله الذّريع في وقف عمليّات الفصائل الفلسطينيّة ليأتي الردّ سريعاً بعمليّة الاشتباك التي خاضتها "كتائب شهداء الأقصى واستشهد فيها قائد المجموعة إبراهيم النابلسي ورفيقاه إسلام صبوح وحسين طه، في نابلس.
4 – إخفاق العدوّ الأكبر الذي تجلّى بعمليّة القدس أمس الأحد التي نفّذها المقاوم البطل أمير الصّيداوي الذي سلّم نفسه بعد محاولة قوّات الاحتلال البحث عنه لمدّة ست ساعات.
أمّا على المستوى الخارجي فقد ظهر جليّاً مدى فشل العدوّ الصّهيوني في إيصال الرّسالة الى حزب الله او حتى التّأثير والضّغط عليه للتّراجع عن سقف المطالب اللبنانيّة وقد بدا ذلك واضحاً وباعتراف بعض الخبراء الصّهاينة بأنّ بعد كلّ ما جرى في غزّة لا زال حزب الله يهدّد ويفرض على(إسرائيل) تقديم التنازلات فيما يتعلّق بترسيم الحدود البحريّة. فبعد جولة الوسيط الأمريكي، عاموس هوكشتاين بين بيروت والقدس (المحتلّة) الأسبوع الماضي وفقاً لما صرّح به بعض المسؤولين في الكيان الصهيوني إنّ "98 بالمائة من الخلافات" قد تمّ حلّها بالفعل. ومع ذلك صعّد الأمين العام لحزب الله السّيد حسن نصر الله من لهجته محذّراً من ضيق الوقت لحلّ النّزاع وفي خطوة غير مسبوقة منذ حرب 2006، بثّت وسائل إعلام حزب الله شريط فيديو للإعلام الحربي استعرض فيه بعض قدرات الحزب البحريّة في رسالةٍ تحذيريّةٍ أربكت الدّاخل إضافةً إلى بثّ رسالةٍ لقادة ومقاتلي حزب الله يعلنون فيها الجهوزية والتأهّب والامتثال لأوامر نصر الله والاستعداد لكلّ مهمةٍ بحسب وسائل الإعلام العبري.
أمّا الباحث الصّهيوني في مركز القدس للشّؤون العامّة شيمون شابيرا فقد رأى أنّه يجب النّظر إلى التّهديدات التي أطلقها زعيم حزب الله حسن نصر الله بمهاجمة منصّة الغاز الطبيعي الإسرائيليّة كاريش، على أنّها محاولةٌ أخيرةٌ للادّعاء بالنّجاح قبل التّوصل إلى اتفاقٍ محتملٍ على الحدود البحريّة في ظلّ تصعيد لهجته وإطلاق التّهديدات بمهاجمة كاريش، حتى لو دفع ذلك الأطراف إلى شفا الحرب.
مضيفاً إنّ زيارة هوكشتاين هي الفرصة الأخيرة لحلّ النزاع سلميًا". و (إسرائيل) على وشك التّنازل لكنّها تحاول المراوغة وتأخير ما لا مفرّ منه. وإذا رفض التّوقيع على اتفاق يلائم لبنان، فإنّ قوّات حزب الله منتشرة وحاضرة لكلّ السّيناريوهات".
ووفقاً لشابيرا فإنّ نصر الله "مشبع بروح المعركة بعد عاشوراء". "لم أر شيئًا كهذا لفترةٍ طويلة". ويشير بشكلٍ خاص إلى التّعليقات الواردة في مقال حديث للأمين. وبحسب الصّحافي اللّبناني، "لا يوجد شيء آخر يقال. فإمّا أن تنتهز إسرائيل والولايات المتحدة الفرصة بكلتا يديهما وتقدّمان ردًا لا لبس فيه على مطالب لبنان، أو أنّ على إسرائيل الاستعداد للحرب".
يقول شابيرا إنّ حزب الله "لا يتصرّف كمنظّمةٍ تمّ ردعها بل تصعد من استفزازاتها. إنّه يمشي على الحافة
ومع فشل رسائل العدوان الأخير على غزّة يضيف الكيان الصّهيوني المؤقّت هزيمة أخرى يراكمها إلى تاريخ هزائمه المتتالية على أيدي المقاومين وهو متيقن ضمنيّاً أنّ مسألة وجوده باتت مسألة وقتٍ وأنّ السّباق قد يتسارع بوتيرةٍ أكبر لإعلان سقوطه والآتي من الميدان سيبشّرنا بذلك.
*كاتب واعلامي لبناني