ومضات متناثرة: رقي الأمم وصناعة المستقبل..!!
المؤسف أن كل جيل يلعن الجيل الذي مضى.. ويردد المقولات المألوفة، ويترحم على أيام خلت.. والأعجب من هذا وذاك أن الحياة مستمرة، بالرغم ما فيها من مصاعب ومعاناة وأزمات..
علينا أن نعي أن بلادنا اليوم تمر بفترةٍ عصيبةٍ، ومرحلةٍ مفصليةٍ، تحيط بها المؤامرات من كل حدبٍ وصوبٍ.. ويهاجمها الأعداء من كل جهة.. وتعمل قوى الاستعمار على تمزيقه وإلهائه عن أهدافه ومشاريعه الكبرى، لكن لا ننسى هتاف الملايين على امتداد الوطن العربي للحرية والوحدة والاستقلال.. لا ننسى الزئير الذي زمجر في العراق ولبنان وسوريا وتونس.. وما زال يزمجر الى اليوم..
لذا فإن القيم والمفاهيم والعادات والتقاليد تتبدل وتتغير، وأبناء الجيل الجديد يجدون أنفسهم مشدودين من جهة الى قيم جديدة، ومواكبة لروح العصر وطرائقه وتقاليده، وهكذا يحدث الصراع بين الأجيال.. يظل الصراع قائماً طالما هناك قوى منافسة، ومسافات متباعدة بين شرائح الأغنياء والفقراء..
هناك مبررات قوية تحتم العمل من أجل تضييق الفجوة بين تلك المجتمعات الغنية والفقيرة، وهذا ما سيؤدي الى إقرار السلام، وشيوع روح المحبة بين أفراد المجتمع الواحد.. فالتباين الهائل في مستويات المعيشة داخل الدول النامية يجعل المسافات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية عميقة، ولذلك لابد من وضع منظومة القيم واختيار القضايا التي ترى أنها ذات أولويات عاجلة لوضع الحلول المناسبة لها.. المجتمع العربي اليوم يمر بمرحلةٍ حاسمة وفاصلة.. هناك تحديات كبرى، وعقبات جمة، عليه أن يقف بكل عزيمةٍ وإرادة وصلابة، ومواجهتها بذكاء وشجاعة..
أولى تلك التحديات: تحدي الاستعمار والصهيونية، وما تستهدفانه من الأرض العربية وخيراتها وثرواتها..
وثاني هذه التحديات: تحدٍ علمي وتقني.. إننا مازلنا في مؤخرة الركب..
وثالث هذه التحديات: تحدٍ اقتصادي، وهذا بيت القصيد..
ورابع هذه التحديات: تحدٍ اجتماعي مازال المجتمع العربي يحبوا على ركبتيه، تتفشى فيه الأمية والعنصرية والمذهبية.. وتعيث فيه الانقسامات، وتسيطر عليه عادات بالية، وتقاليد فاسدة.. هذه التحديات وسواها تحتم علينا أن نقف أمامها بكل صلابةٍ لمعالجتها ووضع الحلول المناسبة لها.. وهذا لن يتأتى إلا بتكاتف جهود الجميع، فالحفاظ على أصالتنا وعروبتنا وهويتنا أمر هام وحيوي..
علينا أن ندرك أن الأوطان لا تحمى بالجدران العالية، والأسوار المكهربة، بل بالإنسان ابن الأرض تاريخاً وحضارةً وتراثاً.. فالقارئ لتاريخ الأمة العربية منذ بدايات القرن الخامس عشر وحتى الآن، يلحظ أن هذه الأمة قد شاء قدرها أن تعيش في سلسلةٍ من الأزمات المتلاحقة.. وهكذا عاش معظم العرب غرباء في أوطانهم.. وتلاحقت الأحداث، وتواصلت الأزمات، من خلال سلسلة متواصلة من الكفاح والنضال ضد القوى الباغية، والاستعمار وأذنابه.. ما دفعت بالشعوب العربية الى أوضاع جديدة، بعدما قدمت فيه ثمناً باهظاً، لكن هذا الحلم لم يتحقق.. لقد تبين لنا في نهاية المطاف أننا كنا نعيش في وهمٍ كبير، ورومانسيات هلامية، بعد أن اختار زعماؤنا وحكامنا الحرية لأنفسهم، وضنوا بها على شعوبهم المغلوبين على أمرهم بعد أن امتلأت السجون السرية بآلاف شهداء الرأي وكتاب الرأي الحر.. في ذات الوقت راحت تلك الدول الرشيدة والشعوب الراقية نحو البناء التنموي والاقتصادي، والعلمي والتقني، وإذ بزعمائنا وحكامنا يشيدون سجوناً كبيرة، ويتفننون في بنائها وهندستها وزخرفتها، ليكتشف لنا في نهاية المطاف أننا قد حصدنا علقماً..
كل شعوب العالم المتحضر التي ارتقت وازدهرت وتألقت بدأت بالإنسان، لأنه هو رأس المال الحقيقي، فأعطته حريةً وكرامةً وعدلاً، وحقوقاً، باعتباره أساساً وحجر الزاوية في العملية التنموية، بينما ارتقى زعماؤنا وحكامنا في الوطن العربي أن يؤسسوا أوطاناً وثرواتٍ لذواتهم وأنفسهم، وأن يقيموا جسوراً وأسواراً عاليةً بينهم وبين شعوبهم.. وقد راهنوا على سياسة البطش والقمع، والتهديد والوعيد لمن يعارضهم..
وهكذا عاشت تلك الشعوب العربية تحت نير الاستعباد والذل والانكسار، وإن ما كانوا يقولون إنه انتصار كبير، لم يكن سوى وهم عظيم..!!.
صفوة القول:
علينا أن ندرك أن معركة التنوير التي خاضها أجدادنا الأوائل مازال وهجها متوهجاً، وما علينا إلا استعادة ذلك التراث العظيم ودمجه مع معطيات الواقع الذي نعيشه، نظن أن علينا كمثقفين وأدباء ونخب عربية أن نكون أكثر حرصاً وواقعيةً وموضوعيةً، وأن نبدأ معركةً ثقافيةً وفكريةً تنويريةً لنسقط قوى الاستبداد والجبروت.. وإن رياح التغيير في العالم العربي قد اقتربت.. وما علينا إلا المسار نحو مشروع التنوير.. يكفي أزمات عندما يسود العنف، ويكون السيف سيد الموقف، وتتصارع الأفكار والقيم والمبادئ تنكشف عورة الشعوب والأمم.. وتموت أحلامهم الوردية..!!.