وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ
إن ملة الكفر واحدة قديماً وحديثاً وأساليب المكر والسخرية والاستهزاء متقاربة فما يقال اليوم عن المسلمين من أقاويل باطلة ودعايات مضللة تشبه تلك الأقاويل والدعايات التي قالها الكفار والمشركون في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه ولكنها تختلف في الصيغة والأسلوب بما يتناسب مع الزمان والأحداث والمتغيرات، ويهدفون إلى إغوائهم وإثارة الفتن بين صفوفهم وفي مجتمعاتهم بمسميات مختلفة بحيث يتخلصوا من بعضهم البعض، بينما أعدائهم يتفرجون ويسخرون منهم، ومن وحي إبليس اللعين الذي حضر مع المشركين يوم الهجرة في دار الندوة للتخطيط والتفكير في التخلص من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حيث أن الكفار والمشركين في مكة بعد أن عجزوا وملوا في نشر الدعايات المغرضة والسخرية والاستهزاء وممارسة أنواع الأذى برسول الله وأصحابه لجأوا إلى أسلوب الإغراء بالمال والمنصب والنساء فعرضوا على رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم أن يتخلى عن لإسلام والدعوة إلى الله مقابل أن يجمعوا له من أموالهم حتى يكون أغناهم وإن أراد أن يكون ملكاً على العرب انتخبوه ليكون ملكا وإن أراد الزواج من أجمل نساء العرب زوجوه وهذه الثلاث المغريات هي التي يختلف الناس من أجلها ويقتتلون من أجل الوصول لتحقيقها، فكان رد النبي صلى الله عليه وآله وسلم والله لو وضعتم الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه، فلما يئس الكفار والمشركون من استجابة رسول الله لما أرادوا.. قرروا الاجتماع الطارئ في برلمانهم المسمى بدار الندوة واجتمع كبار مشائخ قبائل قريش وحضر إبليس متنكراً في هيئة رجل من نجد فسألوه من الشيخ؟؟ قال: من قبائل نجد سمع باجتماعكم هذا فجاء لمشاركتكم الرأي والنصيحة فاستحسنوا مقالته وحضر معهم جلسة النقاش والحوار، وكلما ناقشوا رأياً اعترض ابليس وقال: ما هذا لكم برأي..!! حتى قال أبا جهل الخبيث فرعون هذه الأمة وشيطان الإنس الذي تفوق في مكره ودهائه على إبليس ذاته.. حيث قدم هذا المقترح بأن يأخذوا من كل قبيلة فتاً جلداً ويعطوه سيفاً حاداً صارماً فيقفوا على باب دار محمد فإذا خرج لصلاة الفجر ضربوه ضربة رجل واحد فيتوزع دمه على القبائل فلا يستطيع بنوا هاشم أن يأخذوا الثأر من أحد فيقبلوا بالدية.. فأعجب إبليس بهذا الرأي وقال نعم الرأي يا عمرو بن هشام.. فتصوروا مكر الإنسان كيف تفوق على مكر الشيطان وقد نقل الله تعالى هذا الاجتماع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الآيات البينات قال تعالى: [وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)] (الأنفال).. فمكر الكفار والمشركين هو القتل والإجرام بينما مكر الله عز وجل الرحمة وحقن الدماء والسلم والسلام فنجا الله رسوله ومصطفاه من مكر الماكرين ومؤامرة المتآمرين لأن رسول الله أرسله الله رحمة للعالمين فأيده بنصره وبجنود من جنده قال تعالى: [إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)] (التوبة),وقال تعالى: (جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّنَ الأَحْزَابِ) "11ص"
بتقوى الله والصبر والثبات على الحق حتى ينصرنا الله قال تعالى: [إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ] وأحذر من اليأس والقنوط والخور والاستسلام.. قال تعالى: [إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87)] (يوسف) نعم أن النصر مع الصبر وإن الفرج مع الكرب وإن مع العسر يسرا..
ونحن في هذه الايام قد ودعنا عاماً هجرياً كاملاً لا ندري ماذا كُتب لنا من الخير وما كتب علينا فيه من الشر فعلينا مراجعة أنفسنا واستشعار عظمة الله الذي يسمعنا ويرانا فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه، ولنتذكر أن هذا اليوم الجمعة هو آخر يوم من العام الهجري 1443هـ واليوم التالي أول يوم من عام 1444هـ، وهكذا كما تمر الأيام والشهور والأعوام يمضي عمر الإنسان فكل يوم يمضي من أعمارنا نقترب من آجالنا ولا ندري متى الأجل اليوم أو غداً قال تعالى: [وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ(34)] (لقمان)..
لقد واجه النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة من مكة إلى المدينة أشد أنواع الأذى والسخرية والاستهزاء والحصار والتجويع من قبل أهله وعشيرته وأقربائه وقبيلته، حيث كانت قريش آنذاك أعظم قبيلة في جزيرة العرب، فصبر على أنواع الأذى والسخرية والاستهزاء والدعايات المضللة، حيث قال المشركون على رسول الله صلى الله عليه وسلم مجنون وهو أعقل العقلاء وقالوا عليه متقول وهو أبلغ الفصحاء وقالوا عليه ساحر وكاهن فرد الله عليهم بقوله تعالى: (وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22)) (التكوير) وقال تعالى:[إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48)] (الحاقة)..
إن هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانت نصراً وفتحاً وخيراً لهذه الأمة بدون قتال ولا إراقة دماء ونحن في أمس الحاجة للاستفادة من هذه الدروس والعبر التي حدثت في هجرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث أن ما نعيشه اليوم من فهم خاطئ عند بعض المسلمين وخاصة بعض الجماعات الناشئة التي سلكت مسالك التشدد والعنف والغلو شوهت بعظمة الإسلام وأساءت إلى المسلمين وأوجدت الخلافات والعداوة والبغضاء في أوساط هذه الأمة، لهذا فنحن في يمن الإيمان والحكمة يجب علينا جميعاً أن نتنازل لبعضنا وأن نتحاور فيما بيننا للبحث عن حلول سلمية تحقن الدماء وتحقق الأمن والاستقرار في ربوع اليمن كون أبناء اليمن جميعاً مسلمين مؤمنين أخوة لا يجوز أن يتنابزوا بالألقاب الجارحة ولا يجوز أن يحرض بعضهم على بعض، حيث أن الدماء التي تسفك يمنية والأموال التي تنفق يمنية والأسلحة التي تدمر يمنية والثروات التي تحترق يمنية والخسارة الفادحة على جميع أبناء اليمن وليس فينا أحد منتصر بل الكل خسران.. حيث خسرنا أمننا ومحبتنا لبعضنا واستطاع عدو الله وعدونا أن يستغل المماحكات السياسية والنعرات الطائفية لشن حربه وفرض حصاره المطبق من البر والبحر والجو, واحتلال اجزاء من ارضنا ومياهنا وجزرنا وينتهك سيادتنا وينهب ثرواتنا وتفريق جمعنا وإضعافنا كلنا بتغذية المشاكل والحروب بين اليمنيين .. فإذا تماسكنا وتآخينا وتعاونا استطعنا أن نحقق أمننا ونحفظ وطننا ونتصدى لعدو الله وعدونا الذي حاول قديماً أن يفتن بين الأوس والخزرج وهم قبيلتان من اليمن سكنوا يثرب - أي المدينة المنورة - وكان بجوارهم اليهود يحرِّضون بعضهم على بعض فتقوم بينهم الحروب والخلافات كما يحدث اليوم.. حتى هاجر النبي صلى الله وعلى آله وسلم من مكة إلى يثرب التي سماها بالمدينة المنورة فاستقبله أجدادنا الأوس والخزرج الذين آخى بينهم النبي صلى الله عليه وسلم أخُوُّة الإسلام وسماهم (الأنصار) وبنى المسجد النبوي المبارك وآخى بين المهاجرين والأنصار، أخوة المحبة والصفاء والإيمان فمدحهم الله عز وجل بالوفاء والإيثار لإخوانهم المهاجرين وأنزل هذه الآيات البينات التي تثني على صدق إيمانهم وإخلاصهم في أقوالهم وأفعالهم قال تعالى: [لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)] (الحشر).. فلما علم اليهود بهذه الأخوة الإيمانية بين المهاجرين والأنصار اشتد بهم الغيض والحقد والعداء على الإسلام والمسلمين وأرادوا إثارة الفتنة بين الأوس والخزرج أنفسهم وبين المهاجرين والأنصار مع بعضهم فأنزل الله تبارك وتعالى فيهم قرآناً يُتلى وناداهم بنداء الإيمان وبين لهم مؤامرة الكفار وغيض اليهود الأشرار فقال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101)](آل عمران).. وخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم يرتل عليهم هذه الآيات ويقول لهم لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض، ويؤكد لهم عظمة المسلم وحرمته فيقول: (من أشار على أخيه بحديدة ولو كان مازحاً فإن الملائكة تلعنه حتى يضعها) فلا يجوز لمسلم أن يشهر السلاح في وجه أخيه المسلم فكيف بمن يسفك الدماء ويحاصر البلاد ويخيف الآمنين ويسيء إلى الإسلام ويشرد المسلمين وللأسف الشديد باسم الدين مع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حرم على المسلم السب والإساءة لأخيه المسلم فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر).. فلا يجوز للمسلمين بأي حال من الأحوال الاساءة إلى بعضهم أو تصديق مؤامرات ومخططات أعدائهم الذين يمكرون بهذه الأمة ويريدون طمس هويتها وتمزيق وحدتها وإثارة العداوة والبغضاء في أوساطها وقد حثهم الله في القرآن الكريم على الإخوة والمحبة والوحدة قال تعالى: [وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)] (آل عمران)..
فالإسلام هو المنقذ للإنسانية من جميع الفتن والحروب والاقتتال لأنه دين العدل والمساواة والسلام، فإذا أردنا أن نخرج اليمن مما هي فيه الآن فعلينا أن لأنوالي الأعداء و نلجأ إلى الله بتحكيم كتابه واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وعلى آله و سلم وأن يتعايش جميع أبناء اليمن مسلمين مسالمين أخوة وحسابهم على الله وأجرهم على الله حتى نفوت الفرصة على أعداء اليمن والأمة واعوانهم الذين يحاولون بكل وسيلة تحريض بعضنا على بعض ولا يجوز أن نكون أدوات في أيدي أعدائنا حتى لا نضر بأنفسنا ولا نضر بغيرنا فإن ديننا الإسلامي الحنيف جاء لإسعاد الإنسانية ونبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم بين لنا في هذه القاعدة الشرعية أنه لا ضرر ولا ضرار فاليمنيون أحفاد الأنصار وأنصار الإسلام وأصل العرب وأهل الحكمة والإيمان فلا ننسى هذه المكانة العظيمة والدرجة العالية التي كرمنا الله بها ومدحنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالعلم والإيمان والحكمة والفقه فقال وهو لا ينطق عن الهوى (الإيمان يمان، والحكمة يمانية والفقه يمان)، وبشر المسلمين أن نفس الرحمن يأتي من قبل اليمن فباليمنيين ينفس الله كرب المكروبين وينصر الله المستضعفين إنه نعم المولى ونعم النصير..
اللهم أحقن دماء اليمنيين واحفظ لهم وحدتهم وأمنهم وإيمانهم وأعراضهم وأموالهم وألف بين قلوبهم واصلح شأنهم وثبت يقينهم وحبب العفو والصفح إلى نفوسهم لما فيه خير البلاد والعباد يا أرحم الراحمين.