اليمن.. لعبة الدم والموت إلى أين؟!.. (129)
وفي الوقت الذي يبدو فيه يمننا الحبيب الميمون أحوج ما يكون إلى الأمان والسلام والاستقرار، ولململة ما تشتت فيه وتبعثر منه ومداواة جراحه المُثخنة النازفة
التي تتسع وتتعمق كل يوم ولحظة وتلقى لها مجالاً خصباً للتنامي والتمدد والتوسع بشكل كبير ولافت.
وفي حين يبدو فيه اليمن محتاجاً إلى استعادة عافيته والتفرغ للبناء والإعمار والتنمية والنهوض من جديد، يُصر العدوان ومرتزقته من تُجار الحروب ومُسعروها وأولئك المُتربحين والمُتكسبين المستفيدين من إستمرارها، الذين يعشقون الشر والنزاعات والصراعات ومن يتقنون إيقاظ الفتن ويجيدون إشعالها بإقتدار وحرفية عالية، يُصرون على أن يحرموا هذا البلد العزيز من مجرد الحلم بإنهاء هذه الحرب العبثية التي مزقته وطال أمدها كثيراً، بل ويحيلون بينه وبين الوصول إلى إدراك غاياته المُبتغاة من تحقيق السلام وسيادة الأمن والاستقرار في كل ربوعه وأرجائه، شماله وجنوبه، وشرقه وغربه، وكأن كل هؤلاء قد اتفقوا فيما بينهم على أن تبقى نيران الحروب والصراعات الدامية مُستعرة ومُشتعلة هنا، وكأنهم أيضاً يستمتعون ويتلذذون بألسنة اللهب والحريق الذي يطال كل شيء هنا وتروق لهم مشاهد ومناظر الدمار والخراب هنا وهناك وتناثر أشلاء ضحايا الحرب وهي مُلقاة بكل مكان وروائح الموت تنتشر على إمتدادٍ واسع بكل شبر من تراب هذا الوطن الذي دمرناه بأيدينا.
وإذا كان تحقيق السلام واستعادة الأمن والاستقرار المفقود في هذا البلد لايزال بعيد المنال ولا يلوح بالأفق ما يدل على تحققه قريباً، فإن
الخراب والدمار. يبقى في المقابل هو الحاضر الأبرز والأقوى وسيد الموقف في بلدٍ مُدمر أصلاً، ولم يعد قادراً على إحتمال المزيد من هذا الخراب والدمار المستمر والمُمل كمسلسل مكسيكي ولم يعد هذا البلد كذلك مُؤهلاً لإحتمال مزيد من المآسي والكوارث التي سببتها الحرب، بل إنه قد بلغ السيل الزُبى وبلغت القلوب الحناجر وضاق الجميع في أرجاء هذا الوطن المنكوب بما يعيشونه كل يوم وهو لايعني لهم إلا مزيد من الضياع والفناء والشقاء والخُسران المبين !.
إننا بمنتهى الصدق والصراحة نجد أنفسنا هنا نقف وجهاً لوجه أمام مأساة وكارثة حقيقية تزداد مُضاعفاتها الخطيرة مع كل يوم جديد تطلع علينا فيه الشمس وحتى لحظة الغروب، ولم تعُد تحتمل ولا تُطاق ولا يمكن السكوت عليها لاسيما وقد مست بضرها المُباشر كل شيء هُنا، الحجر والبشر، الحاضر والماضي والمستقبل، ودمرت فينا أشياء كثيرة من الصعب إعادة بنائها بسهولة وبسرعة.
وسبق أن قلنا وكررنا مراراً مُنبهين ومُحذرين بأن الحرب ما كانت ولن تكون بأي حال من الأحوال الوسيلة الأنسب لحل الإشكاليات وتسوية الخلافات بين أبناء البلد والمجتمع الواحد.
وإن كانت الحرب أحياناً وسيلة من الوسائل يمكن اللجوء إليها أحياناً إضطراراً، لكن هناك وسائل أخرى متاحة ومناسبة هي أجدى منها نفعاً لتحقيق المنشود وإدراك الغايات المرجوة بدون إراقة للدماء وتخريب للعمران، ومنها الحوار والتحاور، والتفاهم والأخذ والرد بين المتخاصمين وإن طال حتى يتم التوصل لصيغة تفاهم وإتفاق يرضي كل الإطراف ويضمن التوفيق بينها ويلبي متطلبات الجميع ويحفظ لهم ماء الوجوه.
لقد جربنا لغة الحروب والصراعات الدامية المسلحة كوسيلة لتسوية مشاكلنا وخلافاتنا في اليمن، وفي يقيننا أنها لم تكن في الغالب مُفيدة، ليبقى الخيار الأنسب والأضمن هو إعتماد لغة العقل والحوار والتفاهم بين أبناء الوطن الواحد على إختلاف مُعتقداتهم وتوجهاتهم للخروج إلى بر الأمان وتحقيق الأمن والاستقرار المنشود لهذا البلد المُضطرب وأبنائه.
وما أحوج بلادنا الحبيبة اليمن اليوم إلى الوئام والسلام وإلى كل ما يمكن أن يُسهم في إستردادها إعتبار حياة أبنائها الحرة الكريمة الذي تفقده منذ أمد طويل.
وبما أننا نرجو السلام ونأمل عودة الأمن والاستقرار لليمن وإنهاء هذه الحرب التي طال أمدها بأسرع وقت ممكن وبأي طريقة، إلا أننا مُطالبون في نفس الوقت بأن نعمل ونسعى جاهدين لتحقيق السلام والتفاهم بيننا كيمنيين على التفاوض والحوار لإنهاء الحرب وتقديم التنازلات من قبل أطراف الصراع المحلية، لا أن ننتظر من دول تحالف العدوان أن تأتي لنا بذلك السلام المنشود، ونكتفي منها بمجرد الهدنة المُؤقتة المشروطة، فهذا الترقيع لا يُجدي نفعاً ولا يُلبي الحد الأدنى من مطالب اليمنيين التواقين لعودة الأمن والاستقرار لبلادهم.
ونُؤكد مُجدداً هُنا أن السلام هو مطلب كل اليمنيين، سلام الشجعان الأحرار المنتصرين، ونُؤمن في ذات الوقت بأن الحل لن يكون إلا يمنياً - يمنياً، بمعنى أن يجلس الجميع على مائدة التفاوض ويتفقون على انهاء حرب طال أمدها ويفرضون على الأعداء معادلة السلام اليمنية التي تضمن الحفاظ على كرامة كل اليمنيين ووحدة وسيادتهم الوطنية على تراب وطنهم الطاهر وتنهي كافة أشكال التدخلات والتواجد الأجنبي في البلاد.
السلام الذي نُريده هو سلام الحُر الأبي المُستقل، المُنتصر لا سلام المُستسلم التابع الخانع المحتل الذليل، وإلا فلا حاجة لنا أبداً إلى سلام هو الأقرب إلى الاستسلام والهزيمة والخضوع لمن أعتدوا على شعبنا واحتلوا بلادنا ودمروها ولا زالوا يفعلون بها وبنا الأفاعيل والسلام لمن أراد السلام بحرية وكرامة ولا نامت أعين الجُبناء !.
...... يتبع......