ناتو العرب .. متراس الكيان المنهار في اليمن
ليستِ المرّة الأولى التي يتوحّد فيها بعض الحكّام العرب على الباطل فالتّاريخ يحفل بالشّواهد الكبيرة على تشتتهم واستئسادهم على بعضهم البعض.
وحكاية التّشتت بينهم بدأت منذ الجاهلية بين فرعين من قبيلة غطفان، هما: عبس وذبيان، التي أدّت إلى إشعال حرب داحس والغبراء بسبب سلب قافلة حجّاج للمناذرة تحت حماية الذّبيانيين، وحرب البسوس التي نشبت بين قبيلة تغلب بن وائل وأحلافها ضدّ بني شيبان وأحلافها من قبيلة بكر بن وائل استمرّت أربعين عاماً بسبب ناقة.
أمّا في الإسلام فكان الإنجاز الأكبر للأعراب اجتماعهم في دار النّدوة وتوحّدهم على قتل رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم فانتدبوا عشرة شباب من عشر قبائل، لقتل الرّسول وتفريق دمه على القبائل العربيّة لتضييع هويّة القاتل مخافة مواجهة بني هاشم. وفي العصر الحديث تبقى نكبة فلسطين ودور آل سعود في التّنازل عنها لليهود المساكين وفقاً لما ذكره الشّهيد ناصر السعيد في كتابه تاريخ آل سعود وما تلاها من مؤامرات شاهداً على الرّدة العربيّة وتخاذلها وصولاً إلى العدوان على الدّول العربيّة تحت مسمّى (الربيع العربي)، الذي طال سوريا والعراق وليبيا وتونس دون أن ننسى جريمتهم الكبرى في العدوان على اليمن الذي لا زال مستمرّاً بعد دخوله عامه الثّامن. يتضح من خلال تلخيص السّرد التّاريخي لبعض تلك الأنظمة العربيّة وبالأخصّ الخليجيّة منها أنّ دورها وظيفيٌّ وفقاً لأجنداتٍ غربيّةٍ واستعماريّةٍ كما يلي:
1 – تكريس سيادة الغرب على الدّول العربيّة من خلال تبنيهم للسّياسات الأمريكيّة والبريطانيّة و(الإسرائيلية)
2 – استباحة وسرقة ثروات الدّول العربيّة والإسلاميّة مقابل بقائهم في السّلطة وحكم الشّعوب بالسّيف والنّار والاستبداد.
3 – إضعاف الأمّة وتشتيتها واستهداف عناصر القوّة فيها ومحاولة تدميرها وإلهائها وإشغالها عن القضيّة الأساسيّة وهي قضية فلسطين (الرّبيع العربيّ)
4 – تقويض القضيّة الفلسطينيّة وإنهائها وتجميل صورة الكيان الصّهيوني المؤقت وخلق أعداء بديلة عنه مثل (إيران وحزب الله وأنصار الله وحماس والجهاد وكلّ فصائل المقاومة والقوى المناهضة للغرب).
وفقاً لهذه المنهجيّة العدوانيّة التي يعتمدها الغرب تجاه دولنا العربيّة والإسلاميّة ويعمل على تطويرها وتنفيذها بأدواته من الأنظمة الخليجيّة المطبّعة قدّم مشرّعون أميركيّون من الدّيمقراطيّين والجمهوريّين في الكونغرس الأميركي مشروع قانونٍ يتضمّن توحيد المنظومة الدّفاعيّة لدول المنطقة للتصدّي (للاعتداءات الإيرانيّة). تحت عنوان (ردع الأعداء وتعزيز الدّفاعات) وقد طلب من وزارة الدّفاع الأميركيّة وضع استراتيجيّةٍ للعمل والتّنسيق مع كلّ من العراق وإسرائيل والأردن ومصر والسّعودية والإمارات وحلفائهم في المنطقة لإقرار نظامٍ دفاعيٍّ تسخّر فيه كلّ التّقنيات والقدرات الجويّة والصّاروخيّة الدّفاعيّة لحماية المنطقة من الاعتداءات الإيرانية، وتلك التي تنفذها مجموعاتٌ متشدّدةٌ مدعومة من إيران وفقاً لما جاء في اقتراح المشروع..
وتمّ الطّلب من (البنتاغون) تقديم تقريرٍ مفصّلٍ إلى الكونغرس بعد ستّة أشهر من إقرارالمشروع، يتضمّن استراتيجيّةً تتلخّص بما يلي:
1 – عمليّة تقييم لخطر الصّواريخ الباليستيّة والمسيرات الجويّة ولصواريخ الكروز ومدى خطورتها.
2 - تقييم الهجومات التي تشنّها إيران والمجموعات التّابعة لها على (إسرائيل) ومصر والأردن والعراق والسّعوديّة والإمارات.
3 – تقييم فعاليّة توحيد المنظومة الدّفاعيّة الصّاروخيّة والجويّة بين تلك الدّول وفعاليّتها في التصدّي لتلك الهجومات والحدّ منها.
من الواضح أنّ الغاية الأساسيّة من هذا المشروع هي حماية الكيان الصّهيوني المؤقّت بالدّرجة الأولى في ظلّ فشله الذّريع بعد معركة سيف القدس وتراجعه أمام تصاعد قوّة قوى محور المقاومة لا سيّما بعد حديث قيادات المقاومة من فلسطين إلى لبنان وسوريا والعراق واليمن عن محوريّة المعركة القادمة وتحويلها إلى معركةٍ وجوديّةٍ للكيان والغاية الثّانية هي تعزيز حماية السّعوديّة والإمارات وشركات النّفط فيها والأهداف الحسّاسة بعدما هشّم الجيش اليمني وأنصار الله صورة أحدث ترساناتهم العسكريّة المتطوّرة. إضافةً إلى أنّ المشروع يهدف إلى تعزيز الدّفاعات الصّاروخيّة والجويّة في أربيل لحماية المصالح والمراكز الأمريكيّة الاسرائيليّة التي استهدفتها الصّواريخ الإيرانيّة التي كان آخرها إعدام الجنرال إيلاك رون قائد وحدة الاغتيالات في (جهاز الموساد الاسرائيلي) مع ضابطين آخرين من خلال استهدافهم بطائرةٍ مسيّرةٍ ردّاً على عمليات الاغتيال التي ارتكبها جهاز الموساد الصّهيوني باستهداف بعض علماء الطّاقة النّوويّة الإيرانيّة. أمّا مصر والأردن التي لم تتعرّض لأي هجومٍ صاروخيّ من إيران أو من أي فصيلٍ من فصائل المقاومة فإنّ وجودهم ضمن ما يسمّى بالناتو العربي ما هو إلّا لتعزيز الوجود الأمريكي والاسرائيلي بشكلٍ أكبر. وبكلّ الأحوال فإنّ حلف (النّاتو العربي) المهزوم في اليمن على أيدي رجال الله والعاجز على مدى سنوات العدوان من حماية السّعودية والإمارات وأرامكو وغيرها سيفشل فشلاً ذريعاً وكبيراً بمنظوماته ودولها ولن يقدّم أيّ جديد أما الإنجاز الوحيد الذي سينجح فيه الأميركيّون والاسرائيليّون فهو نجاحهم بتحويل تلك الدّول إلى أكياس رمل ومتاريس للدّفاع عن الكيان الصّهيوني لكنّهم كما فشلوا في حماية أنظمتهم وهزموا سيفشلون أيضاً وسيُهزمون.
*كاتب واعلامي لبناني