بوح اليراع: استهداف حشمة المرأة في السعودية بقانون الأحوال الشخصية
إن أقصى ما أباحته قوانين الأحوال الشخصية في كافة الدول الإسلامية للمرأة المسلمة هو كشف الوجه والكفين،
وهما العضوان اللذان يجب عليها كشفهما بهدف التحقق من شخصيتها في المواقف الشرعية التي تُرتِبُ على كشف هذين العضوين صحةَ عقد أو إقامةَ حد أو إصدارَ حكم، فضلا عن أنهما العضوان الوحيدان اللذان لا تجد المرأة أيَّ حرج في كشفهما أثناء إقامتها الصلاةَ وأثناء تأديتها مناسكَ الحج.. ومن المنطقي أن هذا القانون يمثل -بالنظر إلى طبيعته المجتمعية المعزِّزة لبعض العادات والتقاليد المرعية- قاسمًا مشتركًا بين المنظومات القيمية لمعظم أنظمة الأمة الإسلامية وفي مقدمتها نظام السعودية الذي منحه وجود الديار المقدسة ضمن النطاق الجغرافي الواقع تحت حكمه رمزية دينية إضافية مهمة.
اقتران المجون ببدء لمعان نجم ابن سلمان
إذا كانت القوانين ذات الصلة المباشرة بالشؤون الاجتماعية في السعودية بما فيها القوانين المنظمة للأحوال المدنية «الشخصية» قد عرفت -إلى ما قبل تمكين «محمد بن سلمان» المحدود التجربة من ولاية عهد المملكة في العام 2017م- بالتشدد غير المبرر إلى درجة إلحاق الضرر ببعض الفئات بصورة لن تتكرر، فقد ترافق قفزُ هذا الأمير المغرور إلى ذلك المنصب الكبير الذي يوشك أن يدفع به إلى ناصية المُلك في المدى المنظور مع تغيير وتحوير الكثير من النصوص الدستورية والقانونية التي نتج عن تغييرها بشكل متسرع ومستعجل حلُّ بل اجتثاث هيئات حكومية يبلغ عمرها 7 عقود زمنية أو أكثر وكان لها في تشكل النمط السلوكي لشخصية الإنسان في ربوع بلد الحرمين الشريفين أبلغ الأثر واستحداث هيئات حكومية أُخَر، ومن أوضح الأمثلة على عملية الاجتثاث وما قابلها من استحداث لا يولي القيم الدينية الإسلامية أدنى اكتراث ما كان من إقامة «هيئة الترفيه» على أنقاض نقيضتها «هيئة الأمر بالعروف والنهي عن المنكر»، إذْ من المتوقع أن ينحدر ذلك المتغيرُ الأخطرُ بالأنماط السلوكية المجتمعية شرَّ منحدر.
تعديل مزعج يُكرِه المرأةَ على التبرج
وفي مسعى من النظام لتهيئة المملكة بما يتناسب وزمان «محمد بن سلمان» الحائز على تزكية سلطات الكيان ورضا الأمريكان تتعرض المنظومة القانونية لموجة تعديلات واسعة النطاق ينحصر جلُّها في استهداف أساسات وقواعد الأخلاق..ومن المواد القانونية التي تعرضت -في هذه المرحلة- لتعديلٍ يهدف في مجمله إلى تحقيق غاية لا أخلاقية المادة رقم «17» من اللائحة التنفيذية لنظام الأحوال المدنية «الشخصية» التي تنصُّ على [أن تكون الصورة الشخصية التي يتطلبها الإجراء حديثة وملونة وبخلفية بيضاء وفي وضع مقابل ودون نظارات وواضحة ومظهرةً لجميع ملامح الوجه وبالملابس المدنية للمملكة، وبمقاس (4×6)، ولا يجوز أن تكون بالملابس المهنية أو أي ملابس لفئة معينة من المواطنين، ويجب أن تكون الصورة الشخصية للمرأة خاليةً من أيَّةِ زينة مع تغطية شعر الرأس والعنق]، بكل ما تضمنته آخر جملة منها من حرص شديد على عفة المرأة وحشمتها، على اعتبار أن صلاح واقع المرأة المسلمة هو الضمانة الأكيدة لصلاح حاضر ومستقبل الأمة، وللدلالة على استهداف هذه الحشمة استُهل خبرٌ صحفي بعنوان [تعديل «لائحة الأحوال المدنية» يلغي عبارة تغطية شعر المرأة والعنق في الصورة الشخصية] نشرته صحيفة «عكاظ» يوم الجمعة الماضي على النحو التالي: (كشفت التعديلات الجديدة للمادة «17» من اللائحة التنفيذية لنظام الأحوال المدنية، التي نشرتها جريدة «أم القرى» الرسمية في عددها الصادر اليوم الجمعة 10 يونيو 2022م، حذف العبارة التي تنص على ضرورة تغطية شعر الرأس والعنق بالنسبة للصورة الشخصية للمرأة في بطاقة الهوية الوطنية).
وكما رأينا فقد اقتصر التعديل الذي طال هذه المادة -تماشيًا مع ما تُقبِل عليه المملكة من انفتاحات لا أخلاقية متزايدة- على بتر أو اقتصاص تلك الجملة المحددة، استهدافًا منها لأسس المجتمع العربي المسلم من خلال الإفساد المنهجي والتدريجي لأخلاق الأم.
تبرير لاحق متنافٍ مع المنطق
وعند ما صدمت سلطات «آل سعود» بمقابلة شعب بلد الحرمين الشريفين ذلك التعديل الذي استهدف أساس الأسرة المسلمة بامتعاض غير محدود، سارعت في وقت لاحق إلى الإدلاء بتبرير يتنافى مع المنطق، فقد افتتح موقع «الخليج الجديد» أحد أخباره ليوم الجمعة السابق ذكره بما أعتبره توضيحًا من وزارة الداخلية السعودية للبس الذي اكتنف التعديل الذي طال مادة أساسية من اللائحة المنظمة للأحوال المدنية بالفقرة النصية التالية: (أوضحت وزارة الداخلية السعودية، مساء الجمعة، أن إلغاء تغطية الشعر في صور الوثائق الشخصية، يخصُّ فقط الفئات العُمرية من 10 إلى 14 عامًا، وبعض الحالات المرضية)، هو تبرير يفتقر إلى الحدِّ الأدنى من المنطقية، لأن أهم شروط امتناح وثائق إثبات الشخصية وهو بلوغ الـ18من العمر -طبقًا للوائح الدولية- لا ينطبق على الفئة العُمرية المشمولة في الفقرة التبريرية.