بوح اليراع: هل تغدو (موسكو) عضوًا منزوعَ الـ(فيتو)؟!
إن التناسب الطردي الحاصل -بشكل شبه متواصل- بين ما يتحقق للبشرية من فتوحٍ علمية بالغة الأهمية وبين ما تتسم بهِ أخلاق نخبها السياسية من استكلاب له أمر يبعث على الاستغراب.
وإذ لم أجدْ مندوحةً للخروج من ثنايا هذه الأحجية العصية على الاستنباطات المنطقية، فليس أمامي من متسع إلاّ أنْ أتوقع أنَّ ما يسود واقع المجتمع البشري من اضطراب وما تتعرض لهُ بعض بلدان المعمورة من دمار وخراب راجع -بدرجة أساس- إلى مشابهة أو مجانسة معظم المواد القانونية التي يتشكل منها ميثاق الأمم المتحدة والهيئات والمجالس والمنظمات والمفوضيات المنبثقة عنها -إلى حدٍّ كبير- قوانين شريعة الغاب التي يظلم القويُّ -بمقتضاها- الضعيف ويأكل الكبير -في ظلها- الصغير دون وازع من ضمير.
كيف لا وقد تواطأت الـ5 الدول [أمريكا وبريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفيتي «روسيا» والصين] المنتصرة في الحرب العالمية الثانية المدمرة -منذ الأيام الأولى- لإنشاء «الأمم المتحدة» على منح نفسها امتيازات تتنافى ومعايير الإنصاف وتعكس مدى ما تعاملت به مع سائر الدول من استضعاف واستخفاف ومدى ما مارسته وتمارسه في حق أمم وشعوب الأرض من إجحاف.
احتكار امتيازات التحكم بالقرار
فبالرغم من أن عضوية الأمم المتحدة التي تمثل -في الوقت الراهن 193 دولة- تنحصر فقط في 15 عضوًا أو مقعدًا تحتكر الـ5 المقاعد المؤثرة «العضوية الدائمة» -وبصفة مستمرة- في الـ5 الدول التي خرجت من الحرب العالمية الثانية منتصرة، بينما تتناوب على الـ10 المقاعد المتسمة بالعضوية غير الدائمة سائر البلدان العالمية -ممثلة بتكتلات جغرافية إقليمية- بصفة دورية، ولا يمثل وجود هذه العضوية المتغيرة الهوية سوى إثبات حضور، إذ لا يكون لها -إلى جوار ذوي العضوية الدائمة- أيّ دور في تسيير أو تغيير مجريات الأمور، وغالبًا ما يكون الأعضاء غير الدائمين -إذا ما تعرضت بلدانهم لضغوط سياسية- مجرد شهود زور.
وممَّا تحتار أمامه الألباب توافق الـ5 الأعضاء الدائمين على منح كل عضو منهم -بحسب المادة 27 من ميثاق الأمم المتحدة- الحق في نقض أو بالأحرى نسف أي قرار أممي يتقاطع مع أيٍّ من مصالحه ودون إبداء الأسباب الكامنة وراء موقفه الذي غالبًا ما تترتب عليه -في واقع البشرية كافة- نتائج سلبية مؤسفة.
معركة تجاذب الـ«فيتو»
وعلى الرغم من أن تواطؤ أعضاء اللجنة الدائمة على تشارك هذا الحق بشكل مطلق كان يهدف إلى اقتسام الموارد الطبيعية للأنام، وقد تحقق لهم ما توافقوا عليه بنسبية شبه منتظمة طيلة العقود الزمنية المنصرمة، بيد أن سياسة الاستحواذ الطاغية على المرحلة الراهنة أدت إلى رفع وتيرة الصراع على اقتسام الغنائم بشكل دائم مفرزة حالة من التصادُم الذي بلغ ذروته في ما يدور اليوم من قتال على الأراضي الأوكرانية الذي يعتبره «بوتين» ذوْدًا استباقيًّا عن السيادة الروسية بينما تعتبره المنظومة «الأوروأمريكية» دفاعًا عن القيم الديمقراطية.
ونتيجة فشل طرفي النزاع في ترجيح كفة الصراع، تجنح مكونات الطرف «الأوروأمريكي» المشتركة في المعركة الدائرة بصورة غير مباشرة إلى استهداف روسيا بمحاولة شرعنة انتزاع ما كان تمتعها به -شأنها شأن سائر الأعضاء الدائمي العضوية موضع إجماع.
ولعل احتشار المحور «الأوروأمريكي» -بسبب استفادة «روسيا» من الفيتو الذي اتخذته ضد مشروع قرار أممي يسعى إلى إدانة إجراء مهاجمتها جارتها «أوكرانيا»- في زاوية ضيقة، قد جعله ينطلق مروجًا بل محرضًا على استحداث صيغ من شأنها حرمان موسكو من هذا الحق، ونتيجة لهذا السعي «الأوروأمريكي» اشتمل تقرير أصدرته مؤخرًا مؤسسة «بروكينغز» -وفقًا لمضمون مقال تساؤلي بعنوان [هل ستكون مأساة أوكرانيا حافزا لإصلاح مجلس الأمن الدولي؟] نشر في موقع «برجكترجكت سيندكت» في الـ3 من مارس الماضي على ما يلي: (لقد أظهرت الحرب في أوكرانيا -مرة أخرى- أن حق النقض «الفيتو» للأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن يمثل عائقًا كبيرًا أمام السلام).
وممَّا يؤكد أن الحديث الطارئ الذي باتت أصداؤه تتردد في أروقة «مجلس الأمن» مجرد استهداف «أوروأمريكي» للطرف الروسي المعبر عنه -بحسب مضمون خبر لموقع «فرنس 24» بعنوان [اجتماع في الأمم المتحدة لمناقشة نص يقيّد استخدام الفيتو] نشر في 19/04/2022- بقول سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة «ليندا توماس-غرينفيلد» في بيان رسمي: (نشعر بالقلق على وجه الخصوص من النمط المعيب الذي استخدمت روسيا من خلاله ميْزة امتلاكها حق النقض «الفيتو» على مدى العقدين الزمنيين الماضيين).
لكن من المرجح أن سعي «واشنطن» وشقيقتها «لندن» دون كلل أو ملل لحرمان «موسكو» من الاستفادة من حق النقض «الفيتو» سيُكلل -في المُجمل- بالفشل، لأن ميثاق الأمم المتحدة ينصُّ على بطلان أيِّ إجراء لا يحظى بموافقة الخمس الدول الأعضاء الدائمة العضوية ومنها «روسيا»