تاريخ اليمن الحديث.. بول دريش جامعة أكسفورد(29)
كانت فترة السبعينيات هي ذروة التطورات السياسية والاقتصادية الموازية وأيضاً التغيرات المتميزة في الشمال والجنوب، لم تنجح جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية قط
في استقطاب التأييد الشعبي لجماهير العمال والفلاحين فإن الجماهير الكادحة لم تزدهر أبدًا ولم تحقق الاكتفاء والرخاء أبداً كما كان النظام في عدن جاهدًا لفرض الاشتراكية ولو بالقوة ونادرًا ما تمتعت الحكومة بفترات طويلة من الاستقرار أو الشعبية في غضون ذلك كان أداء الحكم الشمالي أفضل قليلاً في حين أن معدل معرفة القراءة والكتابة بنسبة 40٪ وفي الجنوب كان ضعف مثيله في الشمال فقد ازدهر اقتصاد اليمن أكثر من جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بمئات الآلاف من اليمنيين الذين عبروا الحدود ووجدوا فرص للعمل مع جيرانهم الدول الغنية بالنفط في الشمال وفي دول الخليج الأخرى في حين بدأ قادة اليمن محادثات مبدئية من الوحدة وبحلول عام 1979م بدأ الشمال والجنوب بوضوح عند عدد كبير جدًا من المستويات الشعبية وبين المواطنين على الجانبين على أنها دولة واحدة مع حكومتين.
أصبح جنوب اليمن الدولة الشيوعية العربية الأولى والوحيدة وهي جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وبهذا أصبحت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية مركزًا للشؤون العسكرية السوفيتية في المنطقة مع وجود بحري وجوي كبير وقامت موسكو لاحقًا بتجميد علاقتها الإستراتيجية مع صنعاء وكذلك قرر الاتحاد السوفيتي التخلي عن صنعاء لعدد من الأسباب فشلت محاولات الانقلاب التي قامت بها مجموعات يسارية ضد اللواء حسن العمري مما دفع الجمهورية أكثر إلى اليمين المحافظ وتحالف مع السعودية والقوى الغربية وقد تجلى هذا الموقف السياسي في قرار الجمهورية العربية اليمنية في يوليو 1969م باستئناف العلاقات الدبلوماسية مع ألمانيا الغربية مقابل حزمة مساعدات بقيمة 1,5 مليون جنيه إسترليني. واصلت المملكة العربية السعودية تحسين علاقاتها مع الجمهورية العربية اليمنية حيث عرضت الاعتراف بها في يوليو 1970م إلى جانب حزمة مساعدات قابلة للتجديد بقيمة 20 مليون دولار وكانت هذه المساعدات عبارة عن رواتب فردية أو رشاوى أعطيت لشيوخ القبائل اليمنية للحفاظ على ولائهم.
كانت المملكة العربية السعودية تنظر إلى اليمن على أنها منطقة عازلة بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية الماركسية والحدود السعودية وخط للدفاع عن السعودية ضد الافكار الماركسية والتوسع الشيوعي في المنطقة لذلك كانت تدعم الجمهورية العربية اليمنية ضد جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية و كانت تجهزها للحرب بالوكالة من خلال الدعم المادي وتقديم الرشاوي لضمان ولاء شيوخ القبائل والمتنفذين في الشمال اليمني
على الرغم من الموقف الملكي غير المستقر والقوة النسبية للجيش الجمهوري المجهز بالأسلحة السوفيتية كانت المعركة الأخيرة في الحرب الأهلية بالكاد مقياسًا للنجاح وقد استولت القوات الملكية المستنزفة على مدينة صعدة من القوات الجمهورية في فبراير 1970م مما جعلها في وضع نسبي من القوة قبل مؤتمر المصالحة الوطنية .
كانت الحرب الأهلية في اليمن لحظة محورية في تاريخ الشرق الأوسط وقد جاء تراجع القومية العربية وسياسة عبد الناصر الخارجية التوسعية نتيجة التدخل المصري في اليمن ، وسيكون من الخطأ افتراض أن وجود عبد الناصر في اليمن كان فشلًا تامًا أولاً بقيت الجمهورية اليمنية على حالها على الرغم من ثماني سنوات من الحرب مع الملكيين وكجزء من اتفاقية الخرطوم السعودية المصرية مُنحت مصر حصة من الثروة النفطية السعودية وفرصة عمل لمئات الآلاف من العمال المصريين في صناعة النفط السعودية خلال السبعينيات .
المنتصرون الحقيقيون في الحرب الأهلية اليمنية هم المملكة العربية السعودية والاتحاد السوفيتي وهذا النصر تم دون استخدام جندي واحد من قواتهم فقد كانت حربا بالوكالة بين الطرفيين حيث تمكن السعوديون من تأمين حليف مستقر جنوب الحدود حيث كانت الدولة اليمنية الناشئة في عام 1970م تمثل الدولة الأكثر مثالية التي كان يمكن أن يتصورها السعوديون ويحلمون بها، كان الإمام اليمني في المنفى وكانت الدولة ضعيفة ولامركزية وتعتمد على الأموال السعودية المستمرة لذلك كانو يسعون لبقاء اليمن بهذا الحال دائما كدولة ضعيفة لامركزية مفككة وتعتمد على الاموال السعودية وقد تم تقسيم شبه الجزيرة العربية بين الشمال والجنوب مما سمح للمملكة العربية السعودية بالحفاظ على هيمنتها الإقليمية ورعاية اليمن العربي ليكون تابعا لها .