كتابات | آراء

فن صناعة المستقبل .. من خلال الوعي بالحاضر

فن صناعة المستقبل .. من خلال الوعي بالحاضر

 اليوم نحن أمام واقع جديد في اليمن وفي العالم كله , فالذي حدث خلال الاشهر القليلة الماضية كان تحولا كبيرا في المسارات ,

وتلك التحولات سوف تترك آثارا عميقة في البناءات وفي مسارات اللحظة والمستقبل , تترك آثارا على اللحظة من خلال ما تتركه من ظلال على النظام العام والطبيعي , وتترك ظلالا على المستقبل من خلال ما تقوم  به اللحظة من تأسيس لقضايا ستكون هي ملامح المستقبل , ولذلك فالصناعة تبدأ من اللحظة التي نعيش ونشهد تبدلاتها وتحولاتها العميقة سواء في المسار اليمني أم في المسار الدولي فكلا المسارين يتكاملان ويتركان أثرا واضحا على الصناعة وعلى المستقبل.
في المسار الدولي اكتشف العالم أن أمريكا كانت تديره بالمعامل البيولوجية التي تصنع الجائحات ثم تصدرها لشعوب العالم حتى تتحرك شركات الادوية , وبالخلايا الاستخبارية والجماعات الاصولية الاستخبارية التي كانت تقلق السكينة العامة ويقوم الاعلام بصناعة هالة لها حتى تكاد تكون تهديدا حقيقيا يقلق العالم فتتحرك شركات الاسلحة لتجد رواجا لها في الدول الغنية والفقيرة على حد سواء , فالخوف يجعلك توظف الامكانات كلها لتسلم منه ومن عواقبه .
حين تفرد النظام الرأسمالي بحكم العالم والتحكم بمصالحه سعى جاهدا على القضاء على حركات التحرر أو ذات النزعة الاستقلالية في العالم أو في الوطن العربي وبالرغم من جهوده الحثيثة في هذا الاتجاه إلا أنه لم يتوقع أو لم يدر في بال قادة النظام العالمي الرأسمالي أن ثمة صانع وثمة قوة خفية عظمى تدير العالم وتحفظ مصالح العباد فيه بقدر من التدافع خوف الفساد في الارض , وهو الامر الذي نشأ بالتوازي مع حالة التفرد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في تسعينات القرن الماضي .
حاولت  أمريكا ومن شايعها  القضاء على الحركات القومية وتفكيك النزعة الاستقلالية وعلى هدم المثاليات وهدم الاسلام من داخله من خلال الحركات الاصولية التي تصنع في الجامعة الاسلامية في اسرائيل والتي تتبع الموساد مباشرة فيكون أفرادها قادرين على السيطرة على الوجدان العام من خلال خطاب العصبية الدينية الذي تنتهجه وتسيطر به على عامة المسلمين , وقد رأينا كيف سيطروا على موجهات الاخوان وما تناسل عن الاخوان من جماعات مثل الجهادية والقطبية وغيرهما من الجماعات والافراد الذين نشطوا في اغتيال الكثير من رموز التنوير في الوطن العربي خوف الوعي واليقظة , فالنظام الرأسمالي يعتبر التضليل وتسطيح الوعي بالقضايا المصيرية للأمم طريقا للوصول الى غاياته .
ومن الملاحظ منذ أن سقط المعسكر الشرقي بيد الغرب سقطت في المقابل المدارس النقدية والفكرية والفلسفية والثقافية  فالصراع المحموم الذي شهده العالم وكانت من نتائجه الكثير من المدارس الفكرية والفلسفية والادبية والثقافية اختفى فجأة مع رغبة الرأسمالية في تسطيح الوعي , ولذلك خلقوا بدائل تلامس القشور وتلهي العالم وفي ذات اللحظة تدر مالا كثيرا مثل البرامج والمسابقات التي يسمح بتعميم تجاربها في الفضائيات مثل مسابقات الشعر ومسابقات الصوت أو مسابقات المعلومات وهي اعمال تديرها في الوطن العربي قنوات (mbc) ويمكن مراجعة قائمة البرامج التي تبثها أو بثتها ومقارنتها مع مماثل لها يخرج أو خرج من غرف الاستخبارات العالمية والقيام بدراسة ولو محدود ليكتشف المرء الدور الذي يقوم به النظام الرأسمالي الذي تقوده أمريكا في استغلال الشعوب وتسطيح وعيها واستغلال مقدراتها دون أن تدرك حجم الكارثة .
أما في المسار اليمني  وبعد  طي صفحة هادي ستظهر الكثير من عيوب المرحلة , قد يظن العملاء أنهم وصلوا الى مرحلة توافق كبرى , وقد يعتقدون أن خلافاتهم بدأت تتلاشى , وأن العدو أصبح واحدا وهدفا للكل , كما قد يرى آخرون أن مجلس القيادة المشكل هو مجلس حرب نظرا لكون كل أعضائه - عدا رئيسه العليمي - رؤساء وقادة فصائل ذات جاهزية  عسكرية , أما أنا فأرى أن هادي - رغم ضعفه وهوانه وصغاره وقلة حيلته ورغم كل مساوئه – قد  أسس نظاما عاما وطبيعيا من المستحيل تعويضه في شخوص قادة الفصائل التي ضمها مجلس قيادة المرتزقة , وبالتالي فانهيار مجلس قيادة المرتزقة متوقعة وهي قاب قوسين أو أدنى من السقوط , فالعليمي لا يملك قيمة فعلية على الأرض ولكنه يشكل حالة ضاغطة غير ذات قيمة في مقياس الصراع , ولا في مقياس السياسة التفاعلية  في اليمن , وقد بدأت المؤشرات تعلن عن نفسها في القسم الدستوري, فالزبيدي لا يمثل نفسه فهو أداة رخيصة بيد محمد ابن زايد يحركه كيفما أراد , ولذلك فموقف الزبيدي من نص القسم لم يكن باختياره بل  ينبئ عن ملامح القادم , كما أن وجوده في الجغرافيا في حالة تناقص كل دقيقة وقريبا سوف يتم الاستغناء عنه وخلعه كما فعلوا مع غيره , فالإمارات ومن بعدها اسرائيل يعلمون علم اليقين أن مثل الزبيدي لا يصنع واقعا مقلقا ولكنه قد يتحرك وفق ما يتم صناعته في الاستراتيجيات مقابل دراهم معدودات , فالطموح الى المال هو الهاجس عند الزبيدي وقد حصل عليه واتباعه وبمجرد جفاف نبع التدفق المالي سوف نشهد أن ثمة قوة تتلاشى وتضمحل   في الأرض .
طارق هو البديل وفق استراتيجية المستعمر الجديد الذي يخوض اليوم معركة وجود عالمية معلنة وغير معلنة , فالصراع العالمي ترك ظلالا قاتما على واقع اليمن بحكم الجغرافيا , وبالتالي فمعادلة المستعمر الجديد ستفرض حركة توازنات جديدة في الجغرافيا اليمنية التي تقع تحت نير المستعمر الجديد , ولا أجد سببا مقنعا في بقاء الزبيدي أو بقاء الفصائل الدينية  التابعة لأجهزة التخابر العالمية والتي تشكل قوام معسكر العملاقة  - وهو معسكر جمع شتات الفصائل ذات البعد العقائدي من قاعدة وداعش وفصائل جهادية أخرى بعضها أو غالبها ينتمي الى تيار الاخوان – فحركتهم قاب قوسين أو أدنى الى العدم وفقدان الفاعلية , أما فصائل الحراك التهامي فهي كالقشة التي لا تقصم ظهر البعير , وهم يشكلون امتدادا طبيعيا  لحركة عبدالله عاموه في الحديدة وهي حركة مناهضة للتيار الوطني من خلال الولاء لغير قادة اليمن لمشترك ثقافي يجمعها مع ذلك البعيد  وتنافر أو اختلاف ثقافي مع القريب في محيطها السياسي والجغرافي.
أما طارق فهو يملك اليوم قوة مالية وعسكرية تفوق مقدرات ما يملكه مجلس قيادة المرتزقة بأضعاف مضاعفة , وصاحب القوة هو الأقدر على فرض الاجندات وتحديد الأوليات في المسار لا وفق إرادة حرة فذلك من المستحيل عليه,  بل وفق ما تفرضه الاستراتيجيات التي يسير على خطاها المستعمر في صراعه الوجودي .
روسيا سوف تشكل محورا قويا وقاتلا للنظام الرأسمالي من خلال توافقاتها السياسية مع الهند والصين وهو توافق شبه معلن مع الصين وقريبا ستعلن الهند عن هذه التوافقات وهي موجودة لكنها لم تخرج للعلن , وهذه التوافقات تترك ظلالا على واقعنا اليمني يجعل الصراع قائما ومستمرا في اليمن وقد يهدد خيار الوحدة الوطنية ومؤشر ذلك نقرأه في اليمين الذي بات محل سخرية الكثير من  شعب الجنوب , فالفنتازيا التي عليها الانتقالي ورئيسه كشفت هالة الغبار وجعلت المستقبل مقروءا بدون مراء أو شك أو تضليل, فالقوة التي تعلن عن نفسها في الجغرافيا الجنوبية تدين بالولاء للإمارات ومن وراء الامارات اسرائيل فالقوة الاقتصادية في دبي وأبو ظبي تديرها اسرائيل وعمليا اسرائيل هي من تدير السياسة الاماراتية , ولذلك من مصلحة اسرائيل أن تضعف من ولاءات السعودية في الجنوب وقد وصلت الى غايتها إذ لم يعد للسعودية  فصائل موالية لها في الجنوب , كما أنها فقدت مفردات لعبتها في الشمال  وبخروج علي محسن من المعادلة السياسية فقدت آخر علائقها في مـارب فالعرادة أقرب الى الامارات منه الى السعودية ولن يحقق للسعودية توازنا ولو ظنت ذلك .
مع اضعاف لدور السعودي في اليمن ستعمل اسرائيل على اضعاف المركزية الثقافية للسعودية من خلال اتساع الهوة بين المجتمع الديني التقليدي المحافظ والمجتمع المدني المطبع مع الكيان الصهيوني وعلامات ذلك واضحة من خلال هيئة الترفيه التي استطاعت اسقاط رمزية رجل الدين من خلال استغلاله كما  فعلت مع إمام الحرم المكي السابق المدعو الكلبي الذي تحول الى بوق رخيص ضاربا عرض الحائط بالقداسة الدينية وأثرها  على الوجدان الديني .
اصبحت السعودية هدفا حيويا لإسرائيل حتى تحقق حلمها في دولة اسرائيل الكبرى فقداستها المكانية هي هدف التفكيك وهدم التصورات العقائدية غاية ولذلك وجدت السعودية نفسها في شباك الخديعة والمكر اليهودي من حيث تدري ومن حيث لا تدري فقد زرعت العداوات في شمالها وفي جنوبها وفي بنية شعبها وأصبح نظامها العام والطبيعي مهددا بالسقوط وسوف يسقط قريبا حينها سنجد بني سعود محاصرين في نحد وحائل إن لم يطردهم الرشايدة من هناك وسوف تنتهي دولة بني سعود فالدول كما قال ابن خلدون تشيخ ويدركها الفناء وشواهد التاريخ كثر في هذا المجال .
                               ***
  بالمختصر المفيد ما وصل اليه العرب والمسلمون اليوم من ذبول وهوان وانكسار كان بسبب حالة الاستغلال والغبن التي مارستها أمريكا ونظامها الرأسمالي القذر الذي خدع الناس بالقيم ومبادئ الحقوق والحريات فكان أبشع وأفظع من انتهكها , ومع التداعيات الجديدة التي سوف تسفر عن واقع جديد في العالم لابد من الانتباه الى فكرة الصناعة فهي الأقدر على التحكم بمقاليد المستقبل . 

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا