اليمن: ماذا بعد اتفاق الهدنة؟
اتفاق الهدنة الذي أُقر في أول أبريل ٢٠٢٢م يُمثِّل حالة نجاح أولية في الأزمة اليمنية، لذا تتطلب الحفاظ عليها ومواصلة البناء لإتمام التسوية الشاملة التي تفضي إلى نهاية عادلة
تأخذ بالاعتبار القِيَم الوطنية أولا. ولا شك أن هذا النجاح يسجل في رصيد الأشقاء باليمن من مختلف الأطراف، كما يسجل أيضا نجاحا للمبعوث الدولي السويدي هانس جروندبيرج وهو رابع مبعوث من قِبل الأمم المتحدة في اليمن، كذلك يسجل نجاحا لافتا للدبلوماسية العُمانية النشطة التي لم تتوقف مساعيها منذ بداية الأزمة وحتى اليوم وما زالت مستمرة في سبيل تحقيق الأمن والسلام والاستقرار لليمن الشقيق.
السنوات السوداء التي مرَّت على اليمن لم تترك مفردة في قاموس السياسة لم تستخدم، فمن مبادرة خليجية إلى حوار وطني إلى اتفاق سلم وشراكة وسيناريو طويل من المباحثات لم تحقق المأمول، وجولات كثيرة بين مسقط والكويت والرياض وجنيف واستوكهولم بالتوازي مع عواصم القرار العالمي، كلها كانت شاهدة على حجم الكارثة الإنسانية التي ألمَّت باليمن.
النقاط العالقة في الملف اليمني كالرماد الذي اشتدت به الريح في يوم عاصف، لكن يبقى اليمن هو الهدف الأسمى بعيدا عن كل معلقات السياسة التي لن تنتهي، وعلى الأشقاء في اليمن تقديم مصلحة اليمن الوطنية، فالمنتصر هنا هو من ينتصر لليمن .
التنازلات وعدم الاستئثار بالمصالح الفئوية الضيقة ـ وإن كانت بعض الأطراف تجد نفسها في موقف قوة ـ إلا أن الواقع اليمني سوف يفرض نفسه على الجميع وللزمان دورته التي تختلف فيها الموازين، وبالتالي أي استهلاك للوقت هو وقت ضائع وخسارة على اليمن وأبنائه جميعا.
لا شك أن هناك نقاطا عالقة ضخمة، منها سياسية، ومنها عسكرية، ومنها أمنية، ومنها اقتصادية واجتماعية أيضا، كلها نقاط شائكة من تقاسم للسلطة وعودة القوات والأسلحة إلى مواقعها، ثم قضية السجناء والمعتقلين، ومسألة الدخل الوطني والموانئ البحرية والمطارات، وتشغيل مؤسسات الدولة، وغيرها من القضايا الحساسة العالقة تستوجب جدولا زمنيا من قِبل المبعوث الأممي واتفاقية إطار شاملة مرنة تضع بالاعتبار المتغيرات المستقبلية، وخريطة طريق وفق توقيتات زمنية لمعالجة جميع الملفات حسب مقتضيات الموقف والظروف، وهنا تظهر عبقرية المبعوث الدولي والوساطة الدولية التي تبدو فيها سلطنة عمان هي الأقرب نظرا لدرايتها بالملف اليمني واطلاعها على الأوضاع بشكل عام ودورها المشرف في الحالة اليمنية. وهنا فإن العبقرية العُمانية يتطلع إليها جميع الأشقاء للعبور بهذه الأزمة إلى بر الأمان لتحقيق الأمن والاستقرار.
نناشدكم أيها الأشقاء في اليمن وأنتم أهل الحكمة والإيمان من هذا المنبر ونحن في رحاب هذا الشهر الفضيل، نناشدكم بكل ما هو مقدَّس من قِيَم العروبة والدِّين أن تنتصروا لليمن وأبنائه، يكفي مرارة تلك السنوات السوداء التي سقط فيها أكثر من ٣٧٧ ألف مواطن يمني؛ وذلك حسب تقديرات تقرير الأمم المتحدة الإنمائي إما بشكل مباشر أو غير مباشر وجلهم كان من المدنيين. ومن هنا فإن على جميع الفرقاء تقديم تنازلات لصالح بلادهم والالتقاء على كلمة سواء باستحضار النيات الحسنة من أجل الوطن لتحقيق الاستقرار المنشود، ولا بد من الحفاظ أولا على الهدنة كي لا يتم تبادل الاتهامات لاحقا كما جرى في المرات السابقة، فالهدف اليوم هو إنهاء الحالة الإنسانية التي طال مداها وفاقت نتائجها كل التوقعات، ولا شك أن الاختلاف لا يزيد اليمن إلا استمرار المعاناة والنزيف الوطني، وأنتم بلا شك مدركون لكل تلك التفاصيل.
أيها الأشقاء اليوم يقف اليمن أمام مرحلة فاصلة إما اغتنام فرصتها وإلا فإن الجميع سيقف أمام الله يحمل على عاتقه هذه الأمانة العظيمة، حفظ الله اليمن وجعله آمنا مستقرا ينعم بالأمن والسلام والازدهار بعون الله.
كاتب وباحث عماني
# نقلاً عن رأي اليوم