اليمن..على اعتاب مرحلة جهادية جديدة
طوت السعودية ودول التحالف صفحة هادي للأبد, وبدأت في صناعة صفحة جديدة, هذه الصفحة الجديدة تريدها حاملا للخروج من مأزق اليمن
خاصة والتفاعلات الدولية الجديدة بدأت تفرض شروطا جديدة لا يمكن للسعودية أن تتفاعل معها وهي مستمرة في عدوانها على اليمن, لذلك نرى خطوات متسارعة الهدف منها التبرير لمخارج تحفظ لها ماء الوجه خوف أن يقال أنها هزمت في عدوانها على اليمن- والهزيمة حقيقة لا مناص للسعودية منها- وقد أدركها عوام الناس قبل خواصهم والكثير من آراء الناس نجدها مبثوثة في شبكات التواصل الاجتماعي.
انتهت حقبة هادي بكل محمولاتها وربما تجبرهم الكثير من الحقائق على نهاية متوقعة لهادي نفسه, فبقاء هادي حيا ربما شكل خطرا عليهم ولذلك فالغالب أن نهايته ستكون حتمية في قابل الأيام, ولا أتوقع أن يطول به الأمد فهو رجل مشهور بالحمق, قد يقوم بحماقة تحشرهم في زوايا أخلاقية ضيقة أو تضعهم في موقف المذنب أمام القانون الدولي, ومثل ذلك متوقع من هادي, ومتوقع منهم قتله فالمبررات كثيرة والحالة الصحية لهادي حاضرة للتبرير أيضا.
لم تكن فكرة المشاورات اليمنية- اليمنية التي تحتضنها الرياض إلا سيناريو لمشاهد سبق الاتفاق على حركتها وحوارها, وها هي تفصح عن نفسها في القرارات التي لا يعلم عنها فريق المشاورات السياسية شيئا, وربما شكلت حالة صادمة للكثير ممن ظنوا أن المشاورات فكرة يمكنها التحقق في عاصمة هي نفسها لا تعترف بالآخر ولا بمبدأ الحوار والمشاورات, فما بالك حين تكون تلك العاصمة متورطة بالعدوان وتريد رسم خارطة طريق للخروج من المأزق اليمني.
لم يكن هادي إلا مجبرا وهو يعلن قراره في نقل صلاحياته الى مجلس قيادة, وكان مجبرا في السنين الخوالي على ما فعله أو قاله أو أصدره من قرارات فالتابع لا يمكنه أن يمتاز بصفات القائد مهما بلغت به الأحوال والإمكانات من مبالغ أو فتحت له من آفاق, واليمن تعرف ذلك من حقائق التاريخ, فالجغرافيا اليمنية عبر تاريخها تنبئك بخصائصها ومميزاتها, ولذلك لا أرى التاريخ إلا أنه يعيد تجسيد نفسه في مشاهد ربما كانت على اتساق تام مع مماثل لها في القرن الماضي, وسوف يتكرر ذات السيناريو لكن سوف يتغير جوهر الأشياء, فالتبعية أمدها لن يطول زمنه, وقدرة السعودية على فرض أسباب الخضوع,ومحاصرة أهل اليمن بعناصر الهيمنة أصبحت مفقودة وغير قابلة للتحقق, فالمتغير الثقافي الذي حدث خلال السنين الخوالي بسبب العدوان وتداعياته ترك أثرا عميقا في البنية الديمغرافية وفي العلاقات الجيوسياسية بين اليمن والسعودية, وهذا التحول قادر على بعث اليمن حتى يستعيد مركزيته الثقافية والسياسية والحضارية والتاريخية.
فاليمن في حاضرها اليوم أصبحت أمام مفترق طرق, فأمامها طريق المآلات التاريخية, وأمامها طريق المستقبل, وأمامها طريق العمالة والتبعية وكل المؤشرات تقول أن اليمن استفادت من كل تجارب القرن العشرين وهي اليوم في حالة مخاض وقد تختار طريق المستقبل وتستلهم من عراقته وتاريخه وألقه الحضاري القديم وهجا جديدا قادرا على صناعتها وفرض وجودها الحضاري في خارطة العالم الجديد الذي يتشكل اليوم ويخوض معارك وجوده في الكثير من بقاع الجغرافيا شرقها وغربها..
ظهر المرتزق هادي في حالة بائسة وهو يعلن نقل صلاحيته الدستورية الى مجلس قيادة - وتلك نهاية متوقعة لكل خائن- كان مشهد الإعلان الدستوري صادما لكثير من الذين باتوا يقتاتون على الدم المسال, وصادما للذين لم يبرحوا قاعات مؤتمر مشاورات الرياض وهم مازالوا في جدل حول المرجعيات التي كان هادي يتشدق بها في كل خطاباته, وهي المبادرة الخليجية, القرارات الأممية, ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني, وقد ثار جدل واسع في المشاورات حول هذه المرجعيات فالكثير لا يرى فيها حلا جوهريا لما يحدث في اليمن, فالمبادرة الخليجية جاءت بهادي الى الرئاسة, والقرارات الأممية شرعنت سلطة سفراء الدول العشر, ومؤتمر الحوار مات قبل ولادته, وكانت مخرجاته كسيحة غير ذات قيمة, وكل الذي حدث خلال سنوات العدوان فرض واقعا جديدا تجاوز مفردات تلك المرجعيات كما يرى الكثير من الذين طرحوا سؤال المرجعيات الثلاث.
انقسم المؤتمرون في مشاورات الرياض على أنفسهم ففريق يرى ضرورة تلك المرجعيات وفريق يرى عدم جدواها, وخرج النقاش الى مستوى الصراع وجدل التصريحات, وبيان المواقف للمكونات الفاعلة في الساحة الوطنية اليمنية, ويبدو هادي حسم موضوع الجدل حول هذه المرجعيات من خلال إعلانه الدستوري الذي بموجبه نقل السلطة الى مجلس قيادة, وستكون مخرجات المشاورات هي البديل لمؤتمر الحوار, والقرارات الأممية هي العصا التي تدير الحوار خاصة تلك المتعلقة بإدراج اليمن تحت أحكام الفصل السابع, فالوصاية الدولية قد تطيل أمد الصراع في اليمن لكنها بالضرورة لن تكون حلا أبدا, ولذلك فالحوار يبدأ من موضوع إلغاء القرارات الأممية بشأن اليمن إن أرادوا سلاما حقيقيا, وكما اجتهدوا في الخروج من مرجعياتهم التي ظلوا زمنا طويلا يدورون حولها لابد لهم من إيجاد مخارج للقرارات الأممية, فالسلام - إن صدقوا فيه – يتطلب صدق التعامل من الواقع وفق معطياته ولا وفق قضايا تجاوزها منطق اللحظة التفاعلية التي صنعها منطق الدفاع ومنطق العدوان ومنطق الصراع على مصادر الطاقة والمنافذ البحرية من قبل الدول الكبرى.
طي صفحة هادي فكرة قديمة وليست بالجديدة بل كان متوقعا ذلك بالاستناد الى تاريخ الخيانات والعملاء في كل حقب التاريخ, وقد سبق لي الكتابة عنها في أكثر من مقال, ولعل أقرب الى الذاكرة مقال بعنوان "الرغاليون الجدد" وفيه تحدثت عن مرتزقة الزمن الحديث وعن العمالات وفصلت القول عن المآلات التي يصلون اليها ومنها هذا المصير المجهول الذي سوف يمزقهم كل ممزق, ويصبحون علامات منتشرة في أصقاع الأرض للعظة والعبرة ليس أكثر من ذلك, فمجلس القيادة المشكل سيظل عاجزا كل العجز عن تحقيق أي تقدم أو إحداث متغير فجله من الذين لا يملكون رؤية وليس في بالهم إلا الخضوع وتمكين المستعمر من مفردات اللعبة في اليمن خاصة وأن هناك من بينهم من قالت الأيام بانتمائهم الى جهاز المخابرات البريطاني وقفزوا الى المناصب بدعم لوجستي من أجهزة الاستخبارات البريطانية والأمريكية, فالانتقال كان واضحا, فبريطانيا مازالت تمسك بالقرار في اليمن خلال شبكتها المحكمة التي صنعتها في الماضي وما تزال تسير بنفس السياسة دون تحديث أو تغيير, فهادي كان جاسوسا لبريطانيا, وفي سيرته الذاتية أحكام تدينه بالتجسس لصالح دولة أجنبية.
إذن مجلس القيادة الذي نقل هادي صلاحيته إليه هو حامل المشروع الاستعماري الجديد, وقد يستند الى مرجعيات جديدة هي مشاورات الرياض ووثيقة إعلان الانتقال وبها ومن خلالها يشرعن لواقع جديد رسمه المستعمر وهو يعلم طرق الوصول الى غاياته, فالعميل لا يرى الوطن، ولكنه يرى بريق الذهب ويسمع خشخشة الورق الأخضر, وهو يدرك أن الوطن لا يقبله منتميا اليه، ولذلك يساوم الوطن فهو يستبدله بدراهم معدودات ويبيعه بثمن بخس كمعادل موضوعي بعد أن التبس عليه مفهوم الانتماء والوطنية والسيادة والاستقلال والحرية، ووجد نفسه في حالة تيه وضياع دون مبادئ ولا قيم ودون فكرة تنظمه في عقد من المثاليات.
نحن اليوم على أعتاب مرحلة جديدة ربما حملت القليل من الانفراجات، لكنها لن تحمل حمامات السلام، فالمعركة ما تزال طويلة لكن بطرق وآليات وأساليب جديدة لها مثال في المنطقة وفي العالم لكن نتوقع أن حركة التوازن الدولي تفرض رؤية جديدة ومستوى حضاريا جديدا في التعامل مع السلام والاستقرار في اليمن وفي العالم.