بشائر رمضان
هكذا يهل علينا شهر رمضان شهر العفو والتسامح والمواساة والغفران.. أكرم الله فيه الصائمين بمزايا لم تكن لغيرهم من الأمم السابقة
منها خلوف الصائمين أطيب عند الله من ريح المسلك لأنه أثر العبادة والطاعة سبيل الرضوان والوصول الى درجات المتقين وتستغفر الملائكة للصائمين حتى يفطروا وللصائمين باب في الجنة يقال له الريان لا يدخله الا الصائمون تكريماً وتشريفاً وجزاءً من رب غفور رحيم..
كما جاء في قوله عز وجل: (كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية) الحاقة "24"..
وكل يوم يمر هو من أعمارنا وكم رحل فيه حبيب.. وكم ذل فيه عزيز فاعتبروا يا أولى الأبصار..
الأيام والليالي محطات نقطعها من أعمارنا دون أن نشعر وكل يوم يرحل لن يعود بل يبعدنا عن الدنيا ويقربنا الى الآخرة..
والله يقلب الليل والنهار للدروس والعبر..
طوبى لمن سارع الى مرضاة ورضوان الله وصيام رمضان مصداقاً لقوله عز وجل (وسارعوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين) آل عمران "133"..
وهنيئا لمن صام وقام أيامه ولياليه.. فالفرحة الكبرى عند لقاء الملك الديان، جاء في الحديث النبوي الشريف "للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه"
رمضان أيام معدودات وفيه نفحات روحانية لا تعوض فيه أنزل القرآن وفيه كل يوم عتقاء من النار.. وفيه يتجلى رب العزة الى السماء الدنيا قائلا هل من مستغفر أغفر له.. هل من تائب أتوب عليه..
لذا علينا في هذا الشهر المبارك شهر المواساة أن لا ننسى إدخال السرور والفرح على قلوب الفقراء والمساكين والأيتام والأرامل فإنها من أعظم الفضائل وأسمى الخصال التي حث عليها ديننا الإسلامي ونبينا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين..
حيث قال عليه الصلاة والسلام وآله الطيبين الطاهرين (من أدخل على أهل بيت من المسلمين سروراً لم يرض له الله ثواباً دون الجنة)
فهي من أحب الأعمال والقربات والإحسان إلى الله سرور تدخله على قلب مسلم محتاج تزيل عنه كربته أو تقضي عن دينه أو تفرج همه.. فتفريج كربة أخيك المسلم أفضل وأحب الى الله من اعتكاف في مسجد..
فمن أعظم الأسباب الموصلة لراحة النفس والقلب، وسعادة المسلم، قضاء حوائج الناس.. فهو ديدن الصالحين الذين يسارعون في الخيرات، ويتنافسون في أعمال البر والإحسان..
لذا فلنغتنم فرص ليالي رمضان بالعبادة وكثرة تلاوة القرآن، والتسبيح، وكثرة الصلاة والسلام على رسولنا الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.. فالعبادة في هذا الشهر المبارك.. شهر القرآن أجرها مضاعف عندالله.. جاهدوا أنفسكم، وشمروا عن سواعدكم، حتى تنالوا رضا ربكم ورضوانه..
فالمتقون دائماً يعيشون في الدنيا غرباء في خلوات الزهد، ولكنهم في الآخرة من الشفعاء المقربين.. ألزموا أنفسهم الطاعة والعبادة والتمسك بالقرآن والسنة النبوية الشريفة، فجعلهم الله من أهل الفوز والسعادة والرضا والرضوان وجناتٍ تجري من تحتها الأنهار، فعاشوا في الدنيا سادة وقادة، وصدق المولى القدير القائل: (أولئك لهم عقبى الدار جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) الرعد: "22-24"..
صفوة القول:
لكي تكون سعيداً، هادئ النفس، مستقر الحال، يجب أن تتيقن أن كل شيء في هذا الكون الواسع الشاسع يسير وفق إرادة الله عزوجل.. مصداقاً لقوله عزوجل: (وكل شيء خلقناه بقدر).. إذا أراد شيئاً أ، يقول له كن فيكون.. ولهذا لا ترهق نفسك بأشياء لم يقدرها الله لك.. وأعلم أن الخير فيما اختاره الله لك، مصداقاً لقوله تبارك وتعالى: (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون).. فكن على اليقين أن الله ليس بغافلٍ عما يعمل الظالمون.. قد تشعر بالحزن الشديد على أمرٍ ما.. ويبدله الله فرجاً من السماء وأنت لا تدري.. لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً..
فالإمام علي عليه السلام كان زاهداً في الدنيا، مطلقاً لها، كان يشتد خوفه من اثنتين: طول الأمل، وإتباع الهوى.. لأن طول الأمل ينسي الآخرة، ويورث حب الدنيا، وإتباع الهوى يصد عن الحق ويورث الباطل.. فالتزموا نهج الصالحين، وتمسكوا بالقرآن، واسرعوا الخطى نحو الأعمال الصالحات قبل أن تقول نفس يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً.. يا ليتني قدمت لحياتي.. وجاء في المأثور: "استكثروا الزاد، فإن السفر طويل، وأخلصوا الأعمال بالنيات، فإن الناقد بصير".. وأعلم أن العمل إذا لم يكن خالصاً لوجه الله عزوجل وامتزج برياء أو حظوظ النفس، لم ولن يقبل عند الله، إنما يتقبل الله العمل الصالح الخالص والخالي من الرياء.. وصدق عزوجل القائل: (والذين اهتدوا زادهم هُدى وآثارهم تقواهم) محمد-17.