الثائر السبتمبري والناصري العتيق عبدالله عبد العالم في رحاب الخالدين!!..
ليس بغريب على منطقة السكاسك والسكون التي تضم المعافر والحجرية والصبيحة وأجزاء واسعة أخرى من محافظة تعز الحالمة,
ويقطنها حالياً خليط مُتجانس هُم بقية من خيرة رجالات قبائل اليمن الأفذاذ المنحدرين من حمير وسبأ وكندة ومدحج والأزد وغيرهم, أن يبرز من أبنائها رجال عظماء على مر التاريخ, ملأوا الأسماع والأبصار في زمانهم ومكانهم بما صنعوهُ وسطروه من تاريخ مجيد يدعو الى الفخر والاعتزاز بهم وبه.
وهؤلاء الذين كانوا نعم الرجال تحدث كُتاب السير والتراجم والإخباريين عن قامات وهامات وطنية وانسانية باسقة بحجم ومستوى الملك العظيم بطل الإسلام في الأندلس الحاجب المنصور بن أبي عامر المعافري, وصاحب الموطئ الإمام الحجة مالك الأصبحي أحد أئمة المذاهب الإسلامية الأربعة وصاحب السيرة المشهور ابن هشام والملك ذائع الصيت المظفر الرسولي الذي يعتبره المؤرخون أعظم ملوك الإسلام في زمانه, وغيرهم الكثير من القادة والرواد ورموز الإشعاع الفكري والثقافي والعلمي في عالمنا الإسلامي.
ويأتي من بعد هؤلاء المشمولين بحسن الذكر والثناء, من أعقابهم رجال عظماء لا يقلون عنهم شأناً وقدراً, ومنزلة لم يحد أحداً منهم أو ينأى عن ذات الدرب والمهيع القويم من أمثال الأب الروحي لاعلام النضال الوطني أحمد محمد النعمان, وبطل حرب السبعين الشهيد عبد الرقيب نعمان الذي سقط ضحية الصراع المناطقي على أيدي القوى التقليدية المتخلفة التي تآمرت على حياته, وكذلك الشاعر الكبير عبدالله عبدالوهاب نعمان (الفضول) وعلم النضال ونبراس الرجال الثائر السبتمبري الحر والناصري العتيق والقائد العسكري المحنك عبدالله عبدالعالم , ليكملوا ما بدأه أسلافهم ويمثلون امتدادا لهم بما ساروا عليه وانتهجوه من نهج, وبما مثلوهُ من قيم ومبادئ ومُثل عليا تربوا عليها وظلوا مُتشبثين بها في كل الأحوال والظروف, ولم يفرطوا بها أو يقبلوا التنازل عنها, وكانوا لها خير أهلاً وصاحبا.
وما المناضل والثائر السبتمبري ذو التاريخ الناصع والرصيد الوطني والنضالي الكبير والضخم إلا انموذج طيب وجزء لا يتجزأ من تلك السلسلة الذهبية الممتدة عراقة وأصالة ومجداً وانجازات عبر التاريخ, ويُعزى الى تلك الأرومة والمفاخر والمكارم التي كانت وستظل على الدوام تُذكر بهم.
وما كان عبدالله عبد العالم الذي وافته المنية الجمعة قبل الماضية الرابع عشر من يناير الجاري بالعاصمة المصرية القاهرة بالغمر والقليل والمجهول من الناس.
وقد كان الرجل رحمه الله بما صنعه من تاريخ مجيد بمثابة أمة وتاريخ قائم بذاته وصفته الإعتبارية كرجل دولة ومقاتل وقائد عسكري جسور وسياسي بارز , وحركي طليعي لعب دوراً فعالاً ومؤثراً في صنع حدث ثورة 26سبتمبر 1962م في اليمن كواحدٍ من قادتها إلى جانب كونه الرجل الثاني في حركة 13يونيو التصحيحية التي قادها زميله الرئيس الشهيد ابراهيم الحمدي مطلع سبعينيات القرن الماضي , لاستعادة الدولة وبنائها من جديد وفق النظام المؤسسي المعمول به في العالم في بناء الدول, فضلاً عن كون الرجل يعد واحداً من رواد وقادة الحركة الناصرية في اليمن والمنطقة بما تمثله من تجربة ثرية ورصيد نضالي على المستوى الوطني والقومي.
ومما يمض القلوب ويحز في النفوس, أن يغادر القائد الشجاع والمناضل الوطني الشجاع اللواء عبدالله عبدالعالم قائد قوات المظلات عضو مجلس القيادة السابق, ويرحل عن عالمنا بصمت وهدوء, وهو طريد شريد, غريب, بعيد عن وطنه الذي ناضل من أجله كثيراً, ودفع ثمن انتصاره لقضاياه العادلة ثمنا باهضاً.
والغريب العجيب أن تتجاهل قيادة ما يسمى بحكومة الشرعية, وفاة شخصية محورية في صلب المشروع الوطني بحجم عبدالله عبدالعالم, حتى أنها لم تكلف نفسها إصدار بيان نعي عن رئاسة الجمهورية يليق به وبدوره النضالي رغم مطالبات قيادات سياسية وشخصيات وطنية ورجال اعلام ونشطاء لها بذلك, كما أحجمت حكومة هادي الفندقية عن مجرد صياغة وتوجيه برقية عزاء لأسرة فقيد الوطن تُذاع في وسائل إعلامها كما هو المعتاد في مثل هكذا حالات, في الوقت الذي رحبت فيه حكومة صنعاء باستقبال جثمان المناضل عبد العالم ودفنه بصنعاء بمقبرة الشهداء الى جانب رفيق دربه الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي وأبدت استعدادها لتنظيم جنازة مهيبة تليق بالرجل, فيما آثرت أسرته دفنه بالقاهرة نتيجة حساسية وحرج الأوضاع باليمن جراء الحرب والصراع المحتدم فيها والتي حالت على ما يبدو دون دفن عبد العالم بوطنه حسب رغبته.
وأجدني هُنا أتفق مع رأي الأخ هشام عبد الرحمن أحمد محمد نعمان, حفيد العملاقين, النعمان الأب الروحي للمناضلين الأحرار, والفضول شاعر الوطن والوجداني, الذي تحدث عن فاجعة تغييب الموت للمناضل عبدالله عبدالعالم في مقال نشره على صفحته في الفيسبوك قائلاً: "وهو (أي عبدالله عبدالعالم) أحد ضحايا التآمر السياسي والمناطقي الذي أطاح به بعد مقتل رفيقه الرئيس إبراهيم الحمدي " .
وأردف هشام النعمان في سياق نعيه وتأبينه لذلك البطل والنجم اليماني الآفل يقول: "العجيب أن كل السياسيين والعسكريين وجدوا من يطلب عودتهم للوطن وفي فترات كثيرة إلا هذا الرجل الوطني البطل الذي ربما لم تسعفه الخطط المناسبة والسياسات الدولية والاقليمية ليكون زعيما, وهو أكثر شجاعة ووطنية وقوة من أقزام أعتلوا المناصب من بعده ووصلوا إلى مراتب عليا واحتفت بهم الأنظمة كأبطال وهم مُجرد ماسحي أحذية لأسيادهم ولم يكونوا عند مستوى التحديات التي فرضت في تلك الفترة".
والعجيب فعلاً, والكلام لا يزال للنعمان الحفيد: "أن يذهب الأبطال ويبقى الأقزام هم من يستحوذون على السلطة والمال وربما التاريخ ليزور لهم بطولات زائفة".
ويجمع الكثير ممن عرفوا المناضل عبدالله عبدالعالم، أحد قادة ورموز حركة 13يونيو التصحيحية بقيادة الشهيد إبراهيم الحمدي, بأنه يُعد واحداً من أنبل من أنجبتهم اليمن من الأحرار والمناضلين الوطنيين الصادقين المخلصين.
وفي أعقاب اغتيال الشهيد الحمدي في 11 أكتوبر 1977م بصنعاء على أيدي السعودية وعملائها وأدواتها في اليمن
غادر عبدالعالم صنعاء، متوجها إلى مسقط رأسه في قرية القريشة بالحجرية بتعز، بعد أن تأكد أنه على رأس قائمة التصفيات والاستهداف المباشر من قبل سلطة الانقلاب الدموي الغاشم الذي أطاح بالحمدي, وظل بقريته لبعض الوقت ثم غادرها الى خارج اليمن لاسيما بعد أن لفقت له قضية الضلوع في قتل عدد من مشايخ الحجرية وتعز آنذاك.. وقد لجأ إلى العاصمة السورية دمشق واستقر هناك، حتى عام 2012م، ليغادر سوريا بعد انفجار الاحداث فيها عام 2011م، إلى مصر، التي يحتفظ فيها بذكريات من أيام دراسته العسكرية في الكلية الحربية في منتصف ستينيات القرن العشرين.
ويؤكد عدد من معارفه أن الرجل كان كريما وشهما وشجاعا، وعرف بطهارة اليد واللسان والنزاهة والوطنية والروح الكفاحية المثابرة, وقد غادر بلاده اليمن، وليس لديه إلا قطعة أرض صغيرة كان يملكها في تعز، وقد حاول أحد ضباع الهضبة السطو عليها، مع العلم أن القائد عبدالله عبدالعالم اشتراها من حر ماله، كأي مواطن يمني , ولم يستطع أحد أن يثبت عليه أي تهمة لفقت له تلفيقا بقصد الإساءة إليه وتشويه سمعته وتاريخه النضالي والوطني الحافل بالإنجازات.
والمضحك المبكي أن العصابة المتسلطة في صنعاء التي تآمرت على قتل الحمدي واستولت على الحكم, كانت قد شرعت بعد أيام قلائل على اغتيال الحمدي في التخلص من رموز عهده الزاهي وظلت تحاول باستمرار النيل من رجال عهده الأنقياء ومنهم عبدالله عبدالعالم واستمرت على هذا المنوال على مدى الـ40 عاما الماضية ولكنها فشلت في ذلك فشلا ذريعا, وإن كانت قد نالت من حياة عدد منهم بالتصفيات والاغتيالات وبعض منهم بالسجن والنفي والتضييق والملاحقات.
ولعل اللافت والمُلاحظ هُنا أن الذين تآمروا على قتل الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي وشقيقه عبدالله, قائد العمالقة وعلى رأسهم نائبه وصديقه المقرب المقدم أحمد حسين الغشمي, لم يهنأوا وينعموا كثيراً بكرسي الحكم الذي اغتصبوه وسطوا عليه سطو اللصوص بعد تصفية الحمدي على مأدبة الغداء الدموية الشهيرة التي أعدها ورتب لها الغشمي بمنزله بصنعاء, إذ سرعان ما تدخلت يد الأقدار, وكانت عدالة السماء للقتلة بالمرصاد, حيث لقى أحمد الغشمي مصرعه بعد ثمانية أشهر من توليه الرئاسة إثر انفجار حقيبة ملغومة حملها اليه مبعوث رئاسي من عدن لتنفجر به وتودي به وترسله فوراً إلى جهنم وبئس المهاد, ويتولى الحكم بعده صديقه وتابعه علي عبدالله صالح حكم اليمن الشمالي ويواصل ما بدأه سلفه الغشمي من عملية محو ممنهجة لآثار الحمدي وإنجازاته الوطنية والتنموية, بل ويسرق وينسب الكثير منها لنفسه ويبعد رجال الحمدي من كل مؤسسات الدولة ويضيق عليهم, وهكذا دأب اللصوص وديدنهم ولا غرابة في ذلك!.
وما من شك أن المبادئ السامية التي تربى عليها عبدالله عبدالعالم وظل متمسكا بها حتى الرمق الأخير كانت تمثل سر قوته وصلابته، حتى بعد ان أصبح لاجئا خارج وطنه.
ويشهد من عرفوه أو ألتقوا به أن الرجل كان جم التواضع وبسيط غير متكلف في عيشته وتعامله مع عامة الناس، وأنه كان وطنيا خالصا وعروبيا مخلصا.