البحر الأحمر ملتقى الأطماع الاستعمارية (106)
الخلاف البريطاني اليمني
توتر العلاقات بين الإمام أحمد والمستعمر البريطاني بسبب عدم التزام المستعمر البريطاني بالاتفاقات المبرمة مع المملكة المتوكلية اليمنية ووصول التوتر بينهما إلى مستوى الخطر
قام حاكم عدن هيكينو بزيارة تعز في أغسطس 1954م لتهدئة الأوضاع ومناقشة قضية الحدود والتمردات القبلية في المحميات غير ان هذه الزيارة لم تؤد الى عقد اتفاق بين الطرفين بسبب الخلاف حول إحدى بنود الاتفاق فقد أصر الإمام على أن يجري الحفاظ على الأوضاع القائمة التي كانت عند توقيع معاهدة 19334م و اتفاق عام 1951م , لكن البريطانيين رفضوا هذا لانهم كانوا يفهمون أهداف الإمام واشتد التوتر بين الطرفين في عام 1956م حين صدر تصريح حاكم عدن حول السعي لوحدة المحميات فجدد الإمام أحمد دعمه للقبائل والجماعات المتمردة في بيحان والعواذل والفضلي والضالع وحرض القبائل ضد البريطانيين والمتعاونين معهم من المشايخ والسلاطين..
وأستمر التوتر بين الطرفين طوال عامي 1957, 1958م وواصلت جريدة النصر اليمنية نشر المقالات المطولة ذات العناوين المثيرة وبالخط العريض مثل الجنوب والصحفيون الأجانب واطلاعهم على الاعتداءات البريطانية الوحشية على اليمن المحتلة وبعض المناطق الحرة منه مثل هكذا الحماية في نظر بريطانيا التنكيل وسفك الدماء ومثل رقم قياسي للوحشية تسجله بريطانيا في عدوانها على اليمن باستخدام الأسلحة المحظورة دولياً ومثل فظائع السلطات البريطانية وعدوانها الوحشي ضد اليمن ..ورغم هذا الهجوم المتوالي من " جريدة النصر" الامامية على بريطانيا العظمى فقد عقد اجتماع في لندن بين مندوبي الطرفين واستغرقت المفاوضات ست جلسات متوالية في المدة من 11نوفمبر عام 1957م إلى 18نوفمبر كما عقدت جلسة أخيرة في 20من الشهر نفسه وكان الوفد اليمني برئاسة الأمير محمد البدر وعضوية كل من السيد حسن علي إبراهيم والقاضي محمد عبدالله العمري والقاضي محمد عبدالله الشامي والسيد محمد ابراهيم والدكتور البغدادي والسيد ابراهيم عثمان كما تكون الوفد البريطاني من المهتمين بمسألة الحدود وجزيرة كمران والجزر اليمنية عامة برئاسة مستر سلوين لويد والسير برنارد رايلي وقع معاهدة صنعاء عام 1934م وحاكم عدن السابق ومستر بيلي سالف الذكر وغيرهم .. ونوقشت في هذه الجلسات جميع المسائل المعلقة بين الطرفين كما قدم القاضي محمد عبدالله العمري مذكرة باسم الوفد في الجلسة الثالثة عن جزيرة كمران وباقي الجزر وذكر أن جزيرة كمران تقع على بعد ميل واحد من الساحل اليمني وتشكل الحد الخارجي لخليج كمران وأن سكانها من نفس جنس سكان اليمن كذلك لغتهم ودينهم وأن الحكومة اليمنية لم تتنازل عن حق السيادة أثناء وجود محطة الحجر الصحي بها ومنذ أن فقدت المحطة مبرر وجود الانجليز أو غيرهم من الأجانب فيها فبقاء الانجليز بها هو انتهاك للحقوق اليمنية وإذ قيل أن الحكومة البريطانية تمارس فقط أعمالاً إدارية بها فإن هذا يعني التمهيد لضمها وقد خلق هذا عقبات أمام تمتع حكومة اليمن بحقوقها السيادية على الجزيرة وعلى البحر وعلى مياهها الإقليمية وان الأمر الذي اتخذ في المجلس في كمران عام 1949م لم يصل أو تخطر به الحكومة اليمنية وكانه محاولة لنقل محطة الحجر الصحي إلى نفوذ كامل وإدارة مدنية في الجزيرة وليس للحكومة البريطانية أن تمارس سيادتها على الجزيرة كما أقره في ذلك المجلس وهذا المطلب يتناقض مع كل المقاييس سواء قبل ومنذ العمل بمعاهدة لوزان وطلب القاضي العمري في النهاية أن ترجع كل الجزر الى اليمن صاحبة السيادة , وكانت وزارة المستعمرات قد أرسلت في وقت مبكر عن هذه الجلسات مذكرة إلى وزارة الخارجية تعبر فيها عن القضايا المطروحة بما فيها جزيرة كمران والجزر الأخرى وخاصة جزر الفنارات وايضاً مشكلة الحدود والمحميات وأشارت في تلك المذكرة إلى أهمية جزيرة كمران من الناحية السياسية والاستراتيجية والاقتصادية , وأنها غير راضية أن تذهب الجزيرة إلى أيدي الحكومة اليمنية وأن الادعاء بأن القوات البريطانية قد أحتلت الجزيرة عام 1915م وشكل فيها مجلس وحاكم بريطاني وإقامة محطة حجر صحي كل هذا وكأننا قد أخذنا السيادة على عاتقنا وهو مالم يتفق مع ما جاء في معاهدة لوزان وربما تأخذ مسألة كمران طريقها إلى محكمة دولية أو إلى مجلس الأمن .. وأخيراً فقد لخصت وزارة الخارجية في تقرير طويل كل ما جاء في تلك المحادثات من أقوال وآراء جاء بها الطرفان وقد وضعا في البداية جدول أعمال من أربع موضوعات وإن خرجا عليها فيما بعد وأشار التقرير إلى أن زيارة الأمير البدر إلى لندن كانت بناء على اقتراح الإمام نفسه وأن استقبال البدر كان حافلاً حتى لا يفهم الإمام أن حكومة جلالة الملك قد صدت مبادرته غير ان ما يهمنا هنا هو أن بريطانيا ظلت متمسكة بما جاء في المادة (16) من معاهدة لوزان وأنها عدت جزيرة كمران تابعة لعدن ومحمياتها وأنها لا تستطيع التخلي عن جزر الفنارات .