حديث الإثنين: كلمة الشعوب في حالة السلم غيرها في حالة الحرب
ما حدث في بريطانيا عقب الحرب العالمية الثانية وفي العديد من الدول الأوروبية وكذلك ما حدث مؤخرا في العراق أثناء الانتخابات البرلمانية يعتبر درساً بليغاً ومهماً
يجب علينا في اليمن الاستفادة منه والاعتبار به وخاصة مكون أنصارالله الذي يتصدر مشهد الدفاع عن الوطن وسيادته وحريته واستقلاله ، في بريطانيا كان ونستون تشرشل هو بطل الحرب العالمية الثانية بلا منازع حيث خرج منتصرا ولكن لأنه كان قائدا عسكريا تحسب له بطولاته في قيادة الحرب في الجبهات فقد رأى الشعب البريطاني بأنه لا يصلح لأن يكون قائدا سياسيا ليقود معركة إعادة البناء والتنمية وإدارة الجهاز الإداري للدولة بما يتناسب وتقديم الخدمات المتكاملة للشعب وحل مشاكل وقضايا المواطنين فأسقطه الشعب البريطاني في الانتخابات ولم يشفع له تاريخه العسكري .
وفي العراق لا يستطيع أحد أن ينكر بأن الحشد الشعبي كان له الدور الأبرز في القضاء على تنظيمي داعش والقاعدة اللذان أرقا العراقيين واحتلا محافظات بأكملها وكذلك مقاومته للقوات الأمريكية وأجبرها على الانسحاب ولم يكتفي بذلك بل ما زال يقاوم بقاياها وهو ما عجزت عنه كل المكونات السياسية وعجز عنه حتى الجيش العراقي نفسه بكل ما يمتلكه من إمكانات عسكرية تؤهله للعب هذا الدور فيما لو توافرت لديه الإرادة الحرة ، ومع ذلك فلم يشفع للحشد الشعبي هذا العمل البطولي العظيم الذي أنقذ العراقيين من ظلم تنظيمي داعش والقاعدة ؛لأن الشعب العراقي يعلم بأن القادة السياسيين يختلفون في إدارة الجهاز الإداري للدولة عن القادة العسكريين وهم الأقدر على خدمة المواطنين وحل قضاياهم ومشاكلهم وتأمين معيشتهم ومواصلة عملية البناء والتنمية ومن هذا المنطلق فقد جعل الشعب العراقي الحشد الشعبي في آخر قائمة التصويت للانتخابات البرلمانية ولم يحصل الحشد الشعبي إلا على مقاعد محدودة جدا لا تؤهله ولا تجعله حتى صاحب صوت قوي معارض داخل البرلمان مما يعني أنه أصبح في السياسة والإدارة رقما مفقودا وهي رسالة مقصودة وقوية جدا للمكونات التي تتمتع بنفوذ عسكري بأن مهمتها الدفاع عن الوطن وسيادته ضد العدو الخارجي والمحافظة على مكتسباته الوطنية المتحققة وترك السياسة لأهلها ويكون هو بمثابة الجهة الرقابية.
وهذا في حد ذاته يؤكد بأن الشعوب الواعية تقف جنبا إلى جنب أثناء الحروب مع من يدافع عن الأوطان ولكنها في حالة السلم تبحث عمن يحقق ويقدم لها الخدمات ويكون مؤهلا بالخبرة والكفاءة الإدارية والسياسية والاقتصادية بعيدا عن الجانب العسكري ، وبما أننا في اليمن قد فشلنا خلال أكثر من نصف قرن في بناء دولة وطنية حديثة بسبب وجود العسكر على رأس هرم السلطة واعتمادهم على بطانات سيئة اختيرت على أساس معيار الولاء الزائف وليس على أساس معيار الكفاءة والتخصص إضافة إلى سماحهم برهن قرار اليمن السياسي للخارج وتدخله في الشأن اليمني الداخلي ولذلك فما أحوج الشعب اليمني اليوم بعد تجربته المريرة في بناء الدولة الحديثة التي لا توجد إلا على الورق وفي وسائل الإعلام وليس لها وجود على أرض الواقع أن يكون لديه برنامج إصلاح سياسي واقتصادي وإداري ليحقق من خلاله نقلة نوعية نحو بناء الدولة التي ينشدها منذ أمد بعيد وفشل في تحقيقها ,قد يقول البعض أن الرؤية الوطنية تضمنت في بنودها كل هذه المطالب والتي شاركت في صياغتها مختلف القوى السياسية الوطنية وهي قادرة فيما لو تحقق لها النجاح في عملية التنفيذ أن تؤسس لبناء دولة حقيقية بمفهومها الحديث وتخرج اليمن من أزمته السياسية والاقتصادية, لكن السؤال الذي يطرح نفسه وبقوة هو : هل الجهاز الإداري الحالي الذي يفتقر للكفاءات وأصحاب الاختصاص قادر على التنفيذ؟ والجواب أنه بما يشوبه من ضعف لا يستطيع أن يقوم بهذه المهمة الصعبة ما لم تتوافر لديه كوادر كفؤة ومتخصصة وفي نفس الوقت نزيهة لا تفكر إلا بمصلحة الوطن والشعب لتضطلع بهذه المهمة وتتحمل مسؤولية التنفيذ تحت رقابة مشددة وإبعاد الفاسدين من كل المصالح والدوائر الحكومية والقضاء على مراكز النفوذ لأنهم يشكلون عقبة كأداء من الصعب تجاوزها في حالة وجودهم لكي يصبح الطريق سهلا وسالكا أمام الفريق الذي سيضطلع بعملية الإصلاح السياسي والإداري والاقتصادي ، وعلى كل المكونات الوطنية المتحالفة للدفاع عن الوطن ومواجهة العدوان أن تعد نفسها إعداداً جيداً إذا ما أرادت أن يكون لها دور في عملية إعادة البناء والتنمية عقب انتهاء العدوان على اليمن الذي لن يستمر إلى ما لانهاية وتحقيق المصالحة الوطنية وذلك من خلال اهتمامها بقضايا الشعب والوطن وإلا فلن يكون الشعب إلى جانبها عندما يكون هو صاحب الكلمة الفصل في اختيار من يمثله في الحكم عبر صندوق الانتخابات ولا تعتمد على ما تحقق من انتصارات في الجبهات على أيدي أبناء الجيش واللجان الشعبية كمرجعية شعبية تفرض نفسها من خلالها .
إنما حدث في العراق للحشد الشعبي أثناء الانتخابات البرلمانية قد يتكرر في اليمن حينما تكون الظروف مواتية لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية ولن يختار الشعب اليمني ممثلا في المواطنين الذين سيدلون بأصواتهم إلا من يهتم بقضاياهم وحل مشاكلهم وتأمين معيشتهم ويعمل على تحقيق الأمن والاستقرار لهم وكل هذه الأمور هي من اختصاص الجهاز الإداري للدولة بكل مؤسساته وليس من اختصاص الجيش المرابط في الثكنات والذي يجب أن يكون مستعدا في كل الأحوال للدفاع عن الوطن والحفاظ على سيادته ومكتسباته المتحققة .