بوح اليراع: بفعل فساد النظام مستقبل كازاخستان محفوف بالظلام
منذ ما قبل استقلال جمهورية "كازاخستان" الإسلامية عن الحقبة السوفيتية المنتهية ارتهِن مستقبل أبنائها -شأنها شأن معظم بلدان الإسلام وبلدان الشرق بشكل عام-
لاستبداد أحد الحكام المعهود عنهم التفرد التام في الإمساك بزمام النظام وهو المدعو "نور سلطان نزارباييف" رئيس الحزب الشيوعي الكازاخستاني في الحقبة السوفييتية الذي تولى -بمساندة سوفيتية "روسية" بسبب أيديولوجيته الاشتراكية- عام 1989 منصب رئيس الجمهورية الذي ظل فيه طيلة ثلاثين عامًا، فلم يلبث نظام حكمه خلال هذه المدة الزمنية الطائلة أن تحول -حسب ما ورد في تحليل إخباري لـ"حسام عيتاني" بعنوان [كازاخستان في بداية أزمة مديدة] نشرته وكالة الأنباء الفرنسية "أ.ف.ب" يوم الجمعة الـ7 من يناير الجاري- (إلى حكم عائلي مغلق يتقاسم أفراده ثروات البلاد وشركاتها الكبرى والمربحة، فيما تتكرس عبادة شخصية "نزارباييف" وتملأ تماثيله شوارع المدن ولا تخلو قرية من إشارة إلى عبقريته وفرادته وإنجازاته).
تخلٍّ عن الكرسي بشكل صوري
وحتى بعد أن أمضى الديكتاتور "نزازباييف" ثلاثة عقود زمنية متربعًا على كرسي الرئاسة ومتفردًا في حكم البلاد بقرارات وقوانين مفصلة على مقاسه، قرر التخلي عن الكرسي بشكل صوري بعد أن ضمن صعود بديل لصالحه يحكم وفق رؤيته ويرعى مصالحه، وإن ما يمارسه على خلفه من تسلط -منذ أن صعد- صار من الوضوح بحيث لم يعد خافيًا على أحد، وممن تطرقوا إلى تلك القضية الخطيرة الكاتب والصحافيّ اللبناني "سمير عطا الله" في مقالٍ له بعنوان [مظلِّيو بوتين في كازاخستان] الذي نشره يوم الجمعة الـ7 يناير 2022 في العدد [15746] من صحيفة "الشرق الأوسط" الذي قال -دون تردد-: (بعد 30 عامًا من الحكم المباشر قرر "نزارباييف" الانتقال إلى الحكم غير المباشر، وترك للشعب أن ينتخب -في عملية انتخابية شكلية- السيد "قاسم جومارت توكاييف"، غير أن النفوذ الحقيقي ظل لبنات "نزارباييف" الثلاث: "داريغا"، و"دينارا"، و"علية، وكذلك الثروة وفيلات: "سويسرا" و"جنوب فرنسا" و"لندن" و"نيويورك").
وبسبب استشراء هذا الفساد المتأصل في البلاد الآخذ في الازدياد عاش شعب "كازاخستان" الذي يقل تعداده السكاني عن 19 مليون نسمة مستويات معيشية متدنية بالرغم غنى بلده البالغة مساحته 2,7 مليون كيلو متر مربع بالثروات، فكانت النتيجة المنطقية لتدني مستويات المعيشة في أكبر اقتصاديات آسيا الوسطى المتوافر على احتياطيات نفطية وغازية كبيرة وأحد أكبر منتجي "اليورانيوم" على مستوى العالم حدوث ما نراه من انتفاضة شعبية استغلتها أطراف دولية لأهداف تخريبية.
توظيفُ "واشنطن" أحداث اليوم لتطويق الخصوم
وإذا لم يكن لأمريكا -حسب ما تدعي- يدٌ في ما يجري، فمن المؤكد أنها ستستثمر هذه الأحداث التي لجأت فيها السلطات -بإيعاز ودعم عسكري من نظام "بوتين"- إلى استخدام القوة المفرطة ضد المحتجين للتضييق على روسيا والصين إلى أبعد حدّ، فقد اشتمل التحليل الإخباري لـ"حسام عيتاني" على الآتي: (ومنذ الساعات الأولى للاضطرابات التي بدأت في اليوم الثاني من العام الجديد، ظهرت تفسيرات تذهب إلى أن هدف المظاهرات التي انطلقت بسبب رفع أسعار الوقود في بلد غني بالنفط والغاز، هو في حقيقة الأمر تطويق روسيا من الجنوب، وأن باقي دول آسيا الوسطى، الأقل أهمية وثراء من كازاخستان سيأتي دورها قريبا في سياق عملية استراتيجية كبرى دبرها الغرب. بل يذهب أصحاب الرأي هذا إلى أن جنوب روسيا هو الجهة الأخيرة التي ستشهد امتدادا للثورات الحاملة في ظاهرها مطالب إصلاحية واجتماعية، والمنطوي باطنها على هدف آخر هو إسقاط روسيا وإخضاعها للهيمنة الغربية. دليلهم على هذا المذهب هو أن روسيا باتت محاصرة من الشمال الغربي من دول البلطيق ومن الجنوب الغربي من أوكرانيا، وثمة من يقول إن إسقاط النظام القائم في "نور-سلطان" سيصيب خطط بكين لإنشاء طريق الحرير الجديد أو ما يُعرف بـ«مبادرة الحزام والطريق» بإرباك قد يكون قاضيا، حيث تحتل كازاخستان موقعا مركزيا في المشروع العملاق كتقاطع للطرق الموصلة إلى روسيا وأوروبا).
تضاؤل الأمل بتحسن المستقبل
مهما يكن من تسييس الأحداث الدائرة في جمهورية "كازاخستان" الإسلامية الآن، فقد خرجت الأغلبية يحدوها الأمل بالظفر بمستقبل ومستوى معيشي أفضل، لكن إذا قدر لهذا البلد الآسيوي الذي يدين بالإسلام أن يصبح -في ضوء التصريحات السياسية الدولية المكرسة للانقسام- بؤرة صراع بين الشرق والغرب المتصارعينِ على الدوام، فليبشر أبناؤه المتعطشين لتحقيق ما يراودهم من أحلام بمستقبلٍ محفوفٍ بالظلام يتجاوز بسوداويته وآثاره الكارثية أجيال اليوم المشتركة في صنع أحداث الشغب والضوضاء وارتكاب ما تتسبب بهِ من جرائم شنعاء بقدر كبير من الحماسة والانتشاء إلى جيل الأبناء الذين سيدفعون -مرغمين- ثمن ما وقع فيه جيل الآباء من أخطاء.