البحر الأحمر ملتقى الأطماع الاستعمارية ( 105)
لم تفلح زيارة شمبليون لحل تلك القضايا كما لم ينجح في إقناع الإمام بإقامة تمثيل دبلوماسي بين البلدين وكانت أهم المشاكل التي ثارت بين الطرفين
هي التي ترتبت –أو نبعت – من نتائج الحرب العالمية الثانية فمن ناحية كانت بريطانيا قد خرجت من تلك الحرب وهي مضعضعة الجانب وتريد أن تجمع شتات مستعمراتها تحت قبضتها القوية وخاصة بعد أن حصلت الهند على استقلالها عام 1947م ومن ناحية اخرى كانت منطقة الشرق العربي بدأت تتململ وتريد أن تتخلص من بقايا الاستعمار التقليدي القديم وبدأت الأحداث تتراكم بشكل كبير بدءا من قيام دولة إسرائيل عام 1948م وتأ ميم مصدق بترول إيران عام 1951م وقيام الثورة في مصر عام 1952م وعقد معاهدة الجلاء عام 1954م وتأميم قناة السويس عام 1956م وما ترتب عليه من عدوان ثلاثي على مصر في نفس العام ثم قيام ثورة العراق في عام 1958م وفي نفس الوقت قيام الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا ثم انضمام اليمن إلى الاتحاد معها وعقد معاهدة الدفاع المشترك بين الجمهورية العربية والمملكة العربية السعودية وانضمام اليمن اليها وفي المقابل كانت بريطانيا تنقل مصفاة البترول من عبدان بإيران إلى عدن كما نقلت إليها ايضاً القاعدة العسكرية بعد إعلان كينيا الاستقلال وإزاء هذا كله أخذت بريطانيا في خطوات متدرجة عملية لتجميع المحميات في كيانين سياسيين هما المحمية الغربية والمحمية الشرقية ثم ضم مستعمرة عدن إليهما لخلق كيان جيد هو اتحاد إمارات الجنوب العربي وضمه إلى دول الكومنولث البريطاني ويعني هذا فصل جنوب اليمن عن شماله وأدرك الأمام أحمد النوايا البريطانية فأخذ يتصل ببعض المشايخ والسلاطين ويمدهم بالسلاح والمال ويدفع صحفه إلى مها جمتهم وفضح خطواتهم مستغلاً الروح القومية التي عمت العالم العربي وعبأت المشاعر جميعها ضد الاستعمار. كما أعتمد الإمام أحمد المناخ السائد حوله في العالم العربي للوقوف ضد مخططات بريطانيا في جنوب اليمن فقد أستند أيضاً على الخلاف الذي ثار بينه وبين بريطانيا حول تفسير المادة الثالثة من معاهدة صنعاء عام 1439م وتنص على أن يؤجل البت في مسألة الحدود اليمنية إلى أن تتم مفاوضات تجري بينهما قبل انتهاء مدة هذه المعاهدة بما يوافق الفريقان المتعاهدان الساميان عليه بصورة ودية وباتفاق كامل بدون إحداث أية منازعة أو مخالفة وإلى أن تتم المفاوضات المشار اليها في الفقرة السالفة الذكر فالفريقان المتعاقدان الساميان يوافقان على بقا الوضع القائم بالنسبة للحدود كماهي عند تاريخ هذه المعاهدة وأن يمنعا بكل مالد يهم من الوسائل أي تعد من قواتهما في الحدود المذكورة وأي تدخل من أتباعهما أو من جانبهما في شؤون الأهالي القاطنين في الجانب الآخر من الحدود المذكورة ويبدو أن سبب الخلاف هو أن الحكومة المتوكلية فهمت النص على أنه عدم تغيير الحدود داخل المحميات نفسها , كذلك على الأطراف المجاورة لها , أما البريطانيون ففهموه على أنه يتعلق فقط بالحد الفاصل بين المحميات وممتلكات الإمام وبنى الطرفان موقفيهما السياسي على تفسير كل منهما للنص المذكور ورغم هذا الاختلاف حول تفسير تلك المادة فقد جرت مفاوضات بين ممثلي الحكومة المتوكلية وبين البريطانيين في لندن في يناير 1951م وأسفرت هذه المفاوضات إلى تهدئة الأوضاع مؤقتاًوعن توقيع اتفاق بين الطرفين ينص على تبادل التمثيل الدبلوماسي بين البلدين وتشكيل لجنة من الطرفين لمتابعة مشاكل الحدود غير أن تلك اللجنة لم تظهر إلى حيز الوجود لذلك ظلت أسباب النزاع مفتوحة وزاد تدهور الأمور عام 1954م عندما بدأت بريطانيا في تحريك مشروع اتحاد المحميات مما كان يثير غضب الإمام وكان الأخير يعتمد في تحريض القبائل ضد مشروع بريطانيا بأنه سيقضي على حريتها واستقلالها كما قدم لها المساعدات المالية والأسلحة وفي المقابل كانت بريطانيا تتهم الحكومة المتوكلية بأنها تثير الأهالي ضدها وعندما وصلت المنشورات العدائية للمشروع إلى داخل عدن وقام حاكم عدن هيكينوتام بزيارة تعز في أغسطس 1954م لتهدئة الأوضاع ومناقشة قضايا الحدود والتمردات القبلية في المحميات غير إن هذه الزيارة لم تؤد إلى عقد اتفاق بين الطرفين بسبب الخلاف حول إحدى بنود الاتفاق فقد أصر الامام على أن يجري الحفاظ على الأوضاع القائمة التي كانت عند توقيع معاهدة 1934م واتفاق عام 1951م لكن البريطانيين رفضوا هذا لأنهم كانوا يفهمون أهداف الامام احمد واشتد التوتر بين الطرفين في عام 1956م حين صدر تصريح حاكم عدن حول السعي لوحدة المحميات فحدد الامام أحمد دعمه للقبائل والجماعات المتمردة في بيحان والعواذل والفضلي والضالع وحرض القبائل ضد البريطانيين والمتعاونين معهم من المشايخ والسلاطين . (يتبع في الحلقات القادمة إن شاء الله تعالى)