اليمن ... لعبة الدم والموت إلى أين ؟!..- 110 -
والسؤال المطروح, الذي كان وسيظل مُثاراً ويفرض نفسه بقوة في تاريخ العلاقات اليمنية- السعودية ذات الخصوصية والتميز والتعقيدات الكثيرة المُتداخلة والمُتشابكة
اليوم وأمس وغداً وفي كل وقت وزمان, ولم يجد لهُ إجابة شافية حتى الآن يقول صراحة وبمنتهى الشفافية والصدق والوضوح: لماذا تُصر مملكة آل سعود على الدوام, على إيذاء جارتها اليمن والتدخل الفج في شؤونها وتبدو كمن يتعمد ذلك والقيام به, وتحرص حرص الغبي المغرور, الجاهل المُستكبر كما تعمل جاهدة في نفس الوقت, وبلا أي كلل أو ملل وبوتيرة عالية, على إقلاق وزعزعة أمن وإستقرار هذا البلد الشقيق والجار لها, والتآمر عليه, وتشجيع كل ما يؤخره عن لحاق الركب الحضاري والتفرغ للبناء والنهوض الشامل؟..ولماذا لا تراعي حقوق الإخاء والجوار في علاقاتها مع اليمن, وتحترم كل ما يتعلق بذلك ويتصل به من جميع النواحي؟.
وما ذنب هذا البلد والشعب أيضاً ليظلان من ضحايا سياسة السعودية التآمرية دائما ويدفعان بلا ذنب ومُبرر بإستمرار حساباتها وفواتيرها الباهظة, ثم ما الداعي والدافع القوي لكل هذا الحقد الأرعن على اليمن واليمنيين من جار السُوء هذا. السعودية؟.. إذا كانت المملكة تعتقد وتظن ان اخضاع اليمن بهذه الطريقة والشكل يمكن أن يخدم مصالحها, ويحميها من أي خطر قد يتهددها من ناحية اليمن, فهي بذلك قد جافت الحق والمنطق والصواب, وتجاوزت كل حدٍ معقول ومقبول وممكن, ومضت بغيها وبغيها بعيداً, إلى حيث اللا رجوع واللا عودة التي لا تحبها ولا تُجديها نفعاً وبلا أي سلام ولا غنيمة مرجوة من ذلك, بل على العكس, فإن هذا العنت والإفراط في الخصومة والعدوانية التي تجسدها السعودية تضر بها وبمصالحها وتهدد وجودها وبقائها, وتنال منها ومن سمعتها, هذا إن تبقى لها سمعة تُذكر بعد كل هذا الذي صدر ويصدر عنها من عداء وتآمر على اليمن وإجحافٍ بحقوقه على المدى القريب والبعيد.. يبدو أن المملكة تتوهم بما تنتهجه من سياسة مُفرطة في العداء والحقد على اليمن أنها بذلك تحمي نفسها وتخدم مصالحها, فيما الواقع والحقيقة يؤكدان بما لا يدع مجالاً للشك أنها تجني على نفسها أولاً وتجلب لها الخسران المبين من حيث لا تدري ولا تعلم ما عواقب ذلك ومآلاته الخطيرة على وجودها على خارطة المنطقة والعالم.
ومن المعلوم الذي لا يمكن أن يختلف عليه اثنان أن المملكة العربية السعودية, هذا الكيان السياسي الهجين العجيب, منذ تأسيسها قبل أكثر من قرن من الزمان على أيدي المستعمرين الإنجليز الذين يمثلون الأب الشرعي والروحي لهذا الكيان المزروع في منطقة الجزيرة العربية, وهي تنظر إلى اليمن وكأنها "حديقتها الخلفية" وإحدى المُلحقات بها, وتعاملها على هذا الأساس والمفهوم والتصنيف.. وكانت نظرة السعودية ولا تزال لليمن واليمنيين, نظرة دونية, وهي لا ترى اليمن إلا بعين تعالي وازدراء وانتقاص رغم أنهُ أسمى منها قدراً ومعنى واعتباراً, وأعرق وأقدم منها حضارة وتاريخاً ووجوداً, وأغنى منها تراثاً ومجداً وأصالة وفخراً وأكثر منها رصيداً في تاريخ الحضارة الإنسانية برمتها, ولا يمكن أن تُقارن وتُقاس ببلد كاليمن على الإطلاق.
ومن وراء هذا المنطلق والدافع وعُقد النقص كان هذا الحقد والتآمر السعودي المستمر على اليمن وأبناء شعبه, ولا يمكن أن يخرج عن هذا الإطار.. ولسنا هُنا بصدد الحكم على التصورات والنوايا والاعتبارات والأسباب والأفعال, ووجودها من عدمها, بقدر ما نُقرر ونُؤكد حقائق ووقائع ثابتة, وأحداث حصلت ولا تزال تحصل على مرأى ومسمع من العالم, ولا مراء فيها.
حيث بالغت مملكة الرمال السعودية في نجد والحجاز منذ قيامها وإنشائها وحتى اللحظة المُعاشة في فجورها وبغيها التاريخي اللا محدود على اليمن, وارتكبت بحق هذا البلد العزيز من الجرائم المشهودة والمتعاقبة مالا يمكن السكوت عليه وغض الطرف عنه والاكتفاء بمجرد الإدانة والشجب والاستنكار فقط, من خلال قيامها بالتدخل المستمر في شؤونه وتشجيع الفوضى والاضطراب فيه والسعي لإضعافه وتمزيقه والحرص والعمل الدؤوب على ديمومة وصاية الرياض عليه وعدم السماح له بممارسة حقه في الحرية والاستقلال والسيادة, وتنفس الصعداء, وبما يتيح لأبنائه التفرغ والتجرد لبنائه وتنميته ونهضته.. والأدهى والأنكى أن أي صراع ونزاع على الحكم بين القوى السياسية المختلفة في اليمن في التاريخ الحديث والمعاصر, كان للسعودية ضلع ويد فيه, حيث تشجع طرف على طرف, وتدعم هذا ضد هذا ليظل الصراع محتدماً بينهم بما يخدم ويضمن حضورها ووجودها واستمرار تدخلها في شأن اليمن الداخلي بطريقة غير مشروعة ولا مقبولة في عرف وتاريخ العلاقات الثنائية وغير الثنائية بين البلدان والشعوب في العالم.. واللافت أن السعودية على مدى المئة سنة الأخيرة لم تكن لتغيب عن المشهد السياسي اليمني, دون أن تنغمس في أدق تفاصيله سواء من خلال تواجدها المباشر في اليمن أو عبر أدواتها وذيولها المعروفين الذين تشتريهم بالأموال.
وقد آثرت السعودية أيضاً أن لا تغيب وتكون بعيدة عن جملة ما حدث ويحدث في هذا البلد العربي المضطرب, دون أن يكون لها دوراً مؤثراً ومباشراً في صنع الأحداث فيه, لصالح تعزيز وصايتها عليه وخدمة مصالحها وأهدافها فيه.
وتبقى سياسة السعودية المُنتهجة تجاه اليمن في كل المراحل سياسة عدائية وتآمرية بامتياز, ليس لها ما يبررها إلا المزيد من خلق الكراهية لها من قبل أجيال يمنية متعاقبة وتنامي حالة دائمة من البغض لها والحقد عليها من قبل كل يمني تمسه سياسة السعودية هذه بضرها ولا يمكن له النجاة منها, في مقابل حالة مماثلة ومتزامنة من الوعي الشعبي اليمني والإدراك لخطورة الدور السعودي المشبوه في اليمن قديماً وحديثاً !.
....... يتبع........