فقه الواقع.. والدورات السكانية..!!
للإسلام فلسفته السكانية الخاصة به، فهي فلسفة متميزة وقادرة على مواجهة كل الظروف والأحوال التي تمر بها الشعوب والأمم، لأن رسالة الإسلام عالمية وصالحة لكل زمان،
فهي خاتمة لكل الأديان والشرائع السماوية.
فالكوكب الأرضي الذي نعيش عليه سخره الله مهاداً لحياتنا فالجيولوجي ينظر إلى الأرض وطبقاتها، والفلكي ينظر إلى السماء وما فيها من مجرات ونجوم وأقمار.. وقد استشهد الله في كثير من آياته بعظمة الكون وأسراره فقال عزوجل:"فلا أقسم بواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون" الواقعة"75-80"
علينا أن ندرك أن القرآن ليس كتاباً فنياً في علم من العلوم بل هو كتاب في هداية الإنسان، ولكن هناك آيات عن الكون والإنسان.. تتفق مع العلم لآن موضوع العلم هو الكون والإنسان ولذلك جاء هذا التوازن بين الكون والوحي يبقى لآخر الزمن لأنهما مرتبطان بالآخرة فالقرآن يشير في كثير من آياته أن هناك تطورات وتغيرات قد تحدث في هذا الكون، وهذه سنن كونية من سنن الله عزوجل.. مصداقاً لقوله عزوجل:"وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين، ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون" الدخان"38-39" وقال عزوجل:"إن في السموات والأرض لآيات للمؤمنين" الجاثية"3" وغيرها من الآيات التي تدل على التفكير والتدبر في آيات الكون وسننه اللامتناهية..
لذا جاء الإسلام ليرسم لنا نوعين من المجتمعات، نوع تكون فيه زيادة معدلات السكان ضرورية وحتمية لصلاح الأمة والمجتمعات ونوع تكون فيه معدلات الزيادة السكانية كارثة على شعوبها لذا عالم الاجتماع الشهير أبن خلدون أكد في مقدمته أن التطور السكاني يمر بمرحلتين أساسيتين:
•مرحلة الاستقرار السياسي- والازدهار الاقتصادي الذي يقوم على الإنتاج الزراعي والصناعي..
ثم تأتي مرحلة الضعف والشيخوخة التي تقود إلى زوال واندثار الدولة.. وهكذا تسير عجلة الدورات السكانية في العالم من حالة العنفوان والشباب إلى حالة الضعف والشيخوخة.. إن مفهوم أو نظرية ابن خلدون قائمة على صعود وهبوط.. نهوض وسقوط وهكذا نشأة الحضارات والأمم.. ولنا في القرآن الكريم دروس وعبر..مصداقاً لقوله تعالى:"سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد" فصلت"53".. معظم الآيات القرآنية تكون في الأنفس، والكون، والإنسان.. والصياغة القرآنية ليست مع الزمن الماضي، بل استغراق في شمولية الزمن لأن القرآن يستغرق الزمن كله.. كما جاء في كثير من الآيات القرآنية مصداقاً لقوله تعالى:"وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون وفي السماء رزقكم وما توعدون فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون"الذاريات "20-21-22-23"..
وكما جاء في الحديث الشريف يقال لصاحب القرآن: "أقرأ وأرتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها".. فكأن القرآن امتداد سرمدي للزمن تجاوز مرحلة الحياة الدنيوية إلى الأخروية.. وتستمر تلاوته حتى في الجنة أما أوضاع العالم اليوم بالرغم أن المسلمين يشكلون نسبة كبيرة من سكان العالم إلا أنهم يمرون بمرحلة مخاض عسير سياسياً واقتصادياً وأنثروبولوجياً، وديموغرافياً بسبب الصراعات السياسية والمذهبية والعرقية.
غني عن القول إن الوضع جد خطير إذا استمرت الصراعات والحروب بين تلك الدول والشعوب فإن الأوضاع ستزداد سوءاً وستدفع الأجيال القادمة فاتورة تلك الحروب والصراعات.. وعلينا أن ندرك أن القوة والمنعة، والنصر والرقي والازدهار ليس بالعدد العديد، أو الكم الهائل.. وإنما يكون بالعلم والفقه والإيمان والتفوق العلمي والتكنولوجي وإن كان العدد قليلاً.. مصداقاً لقوله عزوجل:"إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون" الأنفال "65".
الشاهد في الآية:"الغلبة والانتصار ليس بالكثرة وإنما بقوة العزيمة والإيمان والعلم وفنون الحرب.. وقد تكون الكثافة السكانية أحياناً نقمة على الناس، وعلى المجتمعات وعلى الأسر.. كما جاء في الحديث الشريف يقول عليه الصلاة والسلام:"يأتي على الناس زمان يكون هلاك الرجل على يد زوجته وولده وأبويه، يعيرونه بالفقر، ويكلفونه ما لا يطيق فيدخل المداخل التي يذهب فيها دينه فيهلك" وفي حديث آخر قال عليه الصلاة والسلام:"أعوذ بالله من جهد البلاء، قالوا: ما جهد البلاء يا رسول الله؟ قال:"قلة المال، وكثرة العيال" فالإسلام يدعو إلى الاعتدال والوسطية.. فالدين يسر ولن يشاده أحد إلا غلبه، فأوغلوا فيه برفق ولين،"إن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى" كما قال عليه الصلاة والسلام..!!
كلمات مضيئة
لا شك أن السير في الأرض والتأمل في هذا الكون الواسع المترامي الأطراف، فيه الكثير من الدروس والعبر للأمم والشعوب القادرة على صنع حضارتها ورقيها الحضاري والعلمي والثقافي، فالأقوياء يتمتعون بعقول مبدعة وهم قادرون على الإبداع والابتكار أما الأمم والشعوب العاجزة غير قادرة عن التمييز بين الغث والسمين وهذه مسؤولية العلماء والحكماء والفقهاء الذين يشكلون حجر الأساس في عملية النهوض الحضاري والثقافي والعلمي.. مصداقاً لقول رسولنا الأعظم عليه الصلاة والسلام:"لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون" وهذا لم ولن يكون إلا في حالة حضور فاعل وشهود حضاري مؤثر للأمة العربية والإسلامية حتى تمتد ثمار القرآن وتعانق آفاق الأرض كلها.. هنا يكون السير في الأرض لمعرفة ثقافات وحضارات وعقائد وملل الآخرين وفاقد الشيء لا يعطيه..!!