بوح اليراع:(الطاهري) فرد نظام نموذجيٌّ في تكريس قيم الالتزام
التقاليد العسكرية مادة تخصصية أساسية في مناهج الكليات والمعاهد والمدارس العسكرية "الدفاعية منها والأمنية"، ويعنى محتوى هذه المادة التخصصية -بصورة إجمالية-
بتعويد الدارسين أو المتدربين العسكريين على الالتزام بأبجديات أو أساسيات النظام وترويضهم على إيلاء المظهر العام بالغ الاهتمام لا سيما الاهتمام بـ"حسن المظهر الهندام" المتلازمين مع التحلي بالوقار الذي يجعل العسكريين محطَّ إعجاب واحترام الآخرين.
كما تعنى -أيضًا- بإغراء بل بإلزام الدارسين والعسكريين بشكل عام باحترام (التراتبية الرتبية) والتسلسل الهرمي القيادي ومنحه أولوية مطلقة على سواه من صنوف العلاقة.
وقوات الشرطة العسكرية التي كانت تطلق عليها بعضُ أنظمة الحكم في غابر الأيام "قوات النظام" هي جزء أساس من منظومة المؤسسة الدفاعية العصرية، وهي -بحكم طبيعة المهام المسندة إليها على الدوام- أكثر وحدات تلك المؤسسة تشبُّعًا بـ"التقاليد" وأشدها تمثلا لمضامينها على أرض الواقع، فمهامها تتمثل -بالمجمل- بحراسة كافة منشآت ودوائر وزارة الدفاع بالإضافة إلى تنظيم دخول المستفيدين إليها وخروجهم منها بالأسلوب الأمثل الذي يسهم في استمرار انسيابية العمل وإنجاز معاملات المستفيدين بوقتٍ أقل وبمستوى أفضل، ولا يمكن إتقان هذه المهام إلا من قبل عناصر متشبعة بأساسيات النظام وحديدية الالتزام.
ومن مهام الشرطة العسكرية التي لم تعُد مفعَّلة والتي ربما باتت -بسبب استثنائية المرحلة- مؤجلة مهمةُ مراقبة سلوكيات وممارسات ومظاهر العسكريين وهندامهم خارج معسكراتهم أو خارج أوقات دوامهم والعمل -بشكل مستدام- على ضبط إيقاعهم وفق مقتضيات النظام لما من شأنه الحفاظ على ما تتمتع به المؤسسة الدفاعية -في الأوساط المجتمعية- من هيبة وما تحظى بهِ من احترام.
وقد كانت الشرطة العسكرية تنفذ هذه المهمة الحساسة في العقود الفائتة بتحريك دوريات تمشيطية -بصورةٍ ثابتة أو مباغتة-، فإذا ما مرت أيٌّ من تلك الدوريات بعسكريٍّ مخالفٍ -في سلوكه أو في مظهره- قامت بضبطه واصطحابه إلى معسكر الشرطة لينال -وفق للوائح الثابتة- الجزاء المتناسب مع مخالفته، و إذا ما مرت أيٌّ منها -بالمقابل- بعسكريٍّ قدوةٍ في سلوكه وممارسته وحسن مظهره وهندامه حفَّزته -ولو بشطر كلمة- على التشبث بانضباطه والتزامه.
وبالرغم من إنَّ التقاليد العسكرية صارت -على مدى سنين وربما عشرات السنين- غريبة في واقع العسكريين اليمنيين، فإن في أوساط مؤسستنا الغراء -حتى وإن كانوا في عداد الأفراد المغمورين- من لم يزلوا لها -بالرغم من عجافة السنين- الحارس الأمين.
ويأتي في طليعة أولئك الأمناء على "تقاليدنا" -من وجهة نظري- المساعد "أحمد أحمد علي الطاهري" أحد عناصر الشرطة العسكرية المضطلعين بمهمة تنظيم عملية الدخول والخروج في البوابة الرئيسة لـ"مركز القلب" التخصصي التابع لدائرة التأمين الطبي العسكري، فمنذ بدء ترددي على "مركز القلب" -مع أول نوبة تأزم نتيجة ما أعانيه من حالة تضخم- قبل عدة أعوام وأنا ألاحظ على سلوكيات المساعد "الطاهري" مبالغةً محمودةً في الالتزام بحسن المظهر والهندام وبالتطبيق المرن للوائح النظام التي يصبُّ تطبيقها في خدمة الصالح العام، متمثلاً بتلك السلوكيات الجوهرية أهم مضامين التقاليد العسكرية.
أما الجديد الذي لاحظته من مظاهر تمسك "الشرطي الطاهري" بتلك "التقاليد" التي تلقيناها -ضمن ما تلقيناه من المعارف العسكرية- منذ زمن بعيد فإعلاؤه من شأن حسن المظهر والهندام وتقيُّدُهُ الصارم بما دأبنا عليه -في أعرق المنشآت العسكرية التعليمية- من احترام الأقدمية مبرهنًا على تحلي منتسبي مؤسستنا العسكرية بأفضل الشمائل الآدمية، فقد توجهت يوم أمس الأول -مبكرًا نوعًا ما- إلى المركز لاستلام ما يصرف لي من صيدليته من دواء، فتزامن وصولي ووصول عدد محدود من الضباط والأفراد مهندمين بزيِّنا العسكري مع بدء انتقال مهمة تنظيم عملية الدخول من بوابة المركز إلى المساعد "الطاهري"، فحانت منه التفاتةٌ إلينا نحن الملتزمين بارتداء الزَّيِّ الرسمي باعتبار ارتداءه -مع التحلي بحسن المظهر والهندام- أبرز مظاهر الالتزام بالنظام، فلم يلبث أن نهض ضامًّا قدميه تعبيرًا عن احترامه للرتبة العسكرية أو ما نُطلق عليه نحن العسكريون (احترام الأقدمية)، وأشار لنا -دونًا عن بقية الزملاء الذين لم يلتزموا بارتداء الأزياء- بالدخول من البوابة وانتظار بدء الدوام في ساحة المركز، على اعتبار أن العسكري المهتم بهندامه وحسن مظهره جديرٌ -من وجهة نظره- بقدرٍ استثنائي من الاحترام والتميز.
وبهذا يكون المساعد "الطاهري" -بمرونته في تطبيق لوائح النظام وبتكريسه قيم الالتزام بصورة لم تعُد معتادة- ظاهرة شرطوية على قدرٍ من الفرادة ويصبح جديرًا بالاقتداء والثناء والإشادة.