البحر الأحمر ملتقى الأطماع الاستعمارية: (95)
شهد القرن (19) أحداثاً كثيرة زلزلت كيان " البحيرة " المحمية من ناحية وحولت البحر إلى ممر لغير صالح سكانه من ناحية أخرى فقد سيطرت قوى أوربية على بعض أجزاء البحر شمالاً وجنوباً
ونجحت تلك القوى في أن تجعله "ممراً" خاصاً لتجارتها وليس لصالح أهل البحيرة كما كان من قبل فقد شاهد فجر هذا القرن مجئ الحملة الفرنسية إلى مصر ثم خرجت منها نتيجة تعاون بريطانيا مع السلطنة العثمانية (1798- 1801م ) وأسرعت بريطانيا عندئذ إلى احتلال جزيرة ميون 1799م لمدة قصيرة لمست خلالها صعوبة الإقامة فيها ومن هنا كانت بداية بحثها الحثيث عن مكان مناسب تضع فيه قدميها عند مدخل البحر الأحمر الجنوبي وتحقق من ورائه أغراضها المتعددة مثل أن تجعل منه محطة لتموين سفنها البخارية بالفحم وأن يكون وكالة دائمة تنفذ منه تجارتها إلى باقي أنحا الجزيرة وقد انتهت تلك المساعي إلى احتلال عدن بالقوة في عام 1839م بعد اختلاف قادة السفن الملكية وقادة سفن شركة الهند الشرقية البريطانية فيما بينهم حول صلاحية كل من الشحر والمكلا وجزيرة سقطرى لهذه المهمة .
كما شهد هذا القرن أيضاً خطوات محمد علي والي مصر والجزيرة العربية بناء على طلب السلطان العثماني , فترتب على هذا امتداد سيطرته إلى تهامة اليمن في المدة (1818- 1820) ثم سلم ما تحت يده إلى الامام القائم حينذاك وعاد محمد علي بعدها إلى اليمن عند مطاردة قائد التمرد الذي فرمن الحجازإلى الحديدة وبقى فيها في المدة من 1834- 1840م للاستفادة من تجارة البحر الأحمر وخاصة في ميناء المخا وكانت السلطنة قد كأفئت أبنه إبراهيم باشا على اعماله في الجزيرة بتعيينه والياً على جدة وملحقاتها الإفريقية – ولاية الحبش التي كانت سواكن ومصوع من أهم موانئها وقد أزعج بريطانيا كثيراُ وجود محمد علي في سواحل البحر الأحمر وسواحل الخليج العربي وهذا ماجعلها تستميت في القضاء على قوة محمد علي في المنطقة وعلى أن تحتل عدن بوسيلة وبأخرى سنة 1839م وكان محمد علي يستميت في استرضاء بريطانيا وتطمينها بأن وجوده على سواحل البحر الأحمر وسواحل الخليج العربي لايهدد تجارتها وخطوط مواصلاتها ولكن كان محور سياستها تجاهه هو أنها تكره وجود قوة فتية في المنطقة وأنه من الأفضل لها الإبقاء على كيان الشيخ المريض فيها أي ( السلطنة العثمانية ) ويلاحظ أن بريطانيا قد بدأت تتخلى عن سياسة المحافظة على الدولة العثمانية عند عقد مؤتمر برلين المعروف عام 1878م إذ حصلت على قرض التابعة للسلطنة ثمناً لمساعدتها لها أثناء الحرب الروسية التركية ( 1876- 1877م )وكان هذا القرن 19م شاهداً على ضعف السلطة المركزية في صنعاء وعلى تفتت البلاد بين عدد من مراكز القوى المحلية مما جعل الأطراف موضع طمع القوى الخارجية وكان هذا مما أغرى محمد علي البقاء في اليمن عدة سنوات وعلى أن تسرع بريطانيا إلى احتلال عدن وفي تكوين شرنقة حولها بعقد عدة اتفاقيات حماية مع القوى المحلية بها وانتهزت السلطنة العثمانية فرصة الضعف ولجوء بعض القوى الداخلية اليها لتمد سيطرتها من الحجاز إلى تهامة اليمن ثانية في عام 1849م ثم إلى صنعاء في عام 1872م ومن هنا بدأ التزاحم بينها وبين بريطانيا في تحديد مناطق النفوذ في اليمن وتم التشطير بينهما في أوائل (1914م ) وطوال هذا القرن 19م كان تقريباً الساحل الإفريقي للبحر الأحمر يخضع للسيادة العثمانية إما مباشرة أوعن طريق ولاتها في مصر وسبق أن شرنا إلى أن السلطنة العثمانية قد كافأت إبراهيم باشا بولاية جدة وملحقاتها الافريقيات وقد نجح محمد علي في إقناع السلطان العثماني بأن يحتفظ بتلك الملحقات بعد وفاة إبنه إبراهيم وبعد تسوية لندن عام 1840- 1841م المعروفة وهي عبارة عن إقليم التاكة شرق السودان وميناءي سواكن ومصوع ليظل مشاركاً في تجارة جنوب البحر الأحمر وليعوض خسارته في هذا البحر وخاصة مينائي جدة والمخا وقد تنازل ابنه عباس باشا عن إقليم التاكة وسواكن ومصوع للسلطنة العثمانية تبعاً لسياسته الانكماشية العامة بما في ذلك داخل مصر نفسها أما الخديوي اسماعيل فقد جعل هذه المنطقة بمافي ذلك سواكن ومصوع مطلقاً للتوسع وتكوين إمبراطورية إفريقية باسم السلطنة العثمانية حتى تم عزله عام 1879م نظراً لكثرة ديونه وموقف الدول الكبرى منه وقد تدهورت مصر في عهد أبنه الخديوي توفيق واحتلت مصر من قبل الإنجليز لإخضاع ثورة عرابي وحماية السلطة الشرعية في البلاد إن ظلت مصر ولاية عثمانية إلى قيام الحرب العالمية الأولى عام 1914م ودخول السلطنة الحرب ضد الحلفاء فأعلنت بريطانيا الحماية على مصر.