في عيدها 59 :ثورة 26 سبتمبر ... استلهام لملحمة الصمود في مواجهة تحالف العدوان !
أن مفهوم الثورة هي عملية تغيير ثورية جذرية لحياة الشعب وتحدث نقلة تاريخية كاملة فيه وتحوله من نظام اجتماعي متأخر الى نظام اجتماعي متقدم وكذلك في كل شؤون الحياة المختلفة
فثورة 26 سبتمبر 1962 م حدث لا يقارنه اي حدث في تاريخ اليمن قديمة وحديثه فقد استطاعت تحرير الشعب اليمني واخراجه من سبات الماضي وركوده إلى آفاق الحاضر واشراقه.
واعتبرت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر حدث كبير وزلزال سياسي في شبة الجزيرة العربية ومصدر قلق وتهديد لقوى رجعية واستعمارية في المنطقة لذلك تعرضت لمؤامرات داخلية وخارجية ما لبث ان تحولت إلى عدوان عسكري ضد الثورة والشعب اليمني.
روسيا تحذر
فمع قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م في شمال اليمن وإعلان قيام الجمهورية العربية اليمنية كان الاتحاد السوفيتي أول دولة تعترف بالنظام الجمهوري بعد يومين من قيام الثورة وقد حذر رئيس الاتحاد السوفيتي خروشوف (1953- 1964م ) من أي تعد على الجمهورية سيعتبر تعديا ضد الاتحاد السوفيتي وفي 29 سبتمبر اعترفت الجمهورية العربية المتحدة (مصر) بها ولم يأت منتصف شهر ديسمبر الا وقد اعترفت بالنظام الجمهوري في صنعاء اكثر كم ثلاثين دولة . فيما لم تكن بريطانيا وأمريكا والسعودية والاردن بين تلك الدول وبدات القوات المصرية تصل لليمن فقد احضرت اول القوات الى كل من صنعاء وتعز بالطائرات وبعدها بدأت أولى البواخر المصرية تفرغ شحناتها من الجنود والدبابات والمدافع والسيارات في ميناء الحديدة وفي بداية اكتوبر كان هناك ما يقارب من ثلاثة ألف جندي مصري في اليمن.
التدخل الخارجي
( نعرف آل سعود جيدا وحياتنا كجيران معهم تجربة متصلة ومعارك متصلة كذلك ... لن يتأخروا لحظة عن بذل كل ما يستطيعون لأحداث تغيير في اليمن لتدخل بذلك في دائرة نفوذهم ولا يعنيهم في هذا الأمر ان يكون الحكام ملكيين او جمهوريين وانما كل ما يعنيهم هو ان يكون اليمن تحت نفوذهم ) . هذا ما تحدث به المشير عبدالله السلال أول رئيس للجمهورية العربية اليمنية. فالسعودية فقد انكشف امر دعمها للملكيين في الاسبوع الاول بعد قيام الثورة ففي 2 اكتوبر 1962م اتجه طيارو احدى الطائرات العسكرية السعودية والتي كانت تحمل امدادات عسكرية الى الملكيين في نجران واتجهوا بها الى مصر وفي الفترة بين الثالث والثامن من اكتوبر لجأت ثلاث طائرات سعودية أخرى بطياريها الى القاهرة وذلك شعورا منهم بقومتيهم واستنكارا لما تقوم به حكومتهم من محاولة وأد الثورة اليمنية. وفي 25 اكتوبر 1962م اتهمت حكومة صنعاء بان بريطانيا كانت تأمر القوات الاتحادية في بيحان بأن تدعم الملكيين في مأرب بالأسلحة والذخائر وتوفير المواصلات.
وفي 19 اكتوبر كشف الرئيس عبدالله السلال التآمر البريطاني ضد النظام الجمهوري بصنعاء فقامت في 22 اكتوبر الطائرات المصرية بضرب احدى القرى البيحانية ونتيجة لهذه الوضعية التآمرية المحيطة بالثورة وتزايد تدفق المال من ذهب وفضة واسلحة جديدة متنوعة على القبائل فقد بدأت الكثير من القبائل تغير مواقفها مرة مع الجمهوريين واخرى مع الملكيين حسب من يدفع اكثر - دون اعتبار لوطنية ودفاعا عن ثورة حررتهم – فقد وجدت القبائل في هذه الوضعية تجارة مربحة لها وقد ساعد الجانبان في اذكاء نار الحرب . لذلك كانت الحرب في اليمن كنزا عظيما لأطراف كثيرة داخلية وخارجية.
وكنتيجة للوضع الاقتصادي المتدهور لخزينة الثورة نتيجة التزاماتها المالية اثر ذلك على تأخير مرتبات الموظفين سواء مدنيين او عسكريين بدلت العديد من الانشقاقات تظهر في صفوف الجمهوريين كل هذا ساعد الملكيين على السيطرة على حرض بعد ان تمكنوا من كسب حاميتها وسيطروا على مأرب وقد حاولوا السيطرة على صعدة لكن حاميتها صمدت حتى وصلت الامدادات من القوات المصرية في نوفمبر 1962م وسقطت الجوف في أيدى الملكيين وبعد سيطرتهم على مأرب اتجهوا نحو الغرب في اتجاه صنعاء بعد الاستيلاء على صرواح الا انهم صدوا عنها بعد ان استطاع الجمهوريون السيطرة على التلين المشرفين على صرواح وقد استطاعوا تحرير صرواح بعد ان استشهد اعداد كبيرة من مجموعات المظليين الذين انزلتهم الطائرات المصرية للدفاع عن صرواح وبسيطرتهم عليها استطاعت قوات صنعاء ان يمنعوا الملكيين من التقدم في طريق مأرب – صنعاء .
دخول مأرب
مع مطلع عام 1963م والمعارك في أشدها بين الجمهوريين والملكيين أرسل الرئيس الأمريكي جون كيندي رسائل للرئيس المصري جمال عبدالناصر والأمير فيصل والرئيس السلال يطلب منهم وقف القتال وبعد هذه الرسالة وصل إلى صنعاء في اواخر يناير المشير عبدالحكيم عامر واجتمع بالقيادة للعملية 900 واخبرهم بان (رالف بانش ) السكرتير العام المساعد للأمم المتحدة سوف يصل الى صنعاء وعليه يجب ان تكون كافة المدن الرئيسية في اليمن في أيدى القوات المصرية مهما كلفنا ذلك من عتاد وارواح.
وقبل تحرير مأرب قام المشير بعدة عمليات ناجحة وسعت كثيرا من سيطرة الجمهوريين على البلاد ولأن هذه العمليات قد تمت خلال شهر رمضان فقد أصبحت تعرف بحملات رمضان فبعد ان رفع عدد القوات المصرية الى حوالي 20 ألف مقاتل قاد المشير بن عامر حملة كبيرة من المصفحات في 16 فبراير واتجه بها الى صعدة.
وقد استطاعت هذه الحملة ان تشتت قوة ملكية مكونة من حوالي 1500 رجل كانت بقيادة الامير محمد بن الحسين وحاولت ان تعترض تقدمها في الطريق وفي اليوم ان تشتت قوة ملكية مكونة تقدمها في الطريق وفي اليوم الثامن عشر من الشهر نفسه دخل المشير بن عامر على رأس هذه الحملة مدينة صعدة دخول المنتصرين وذلك بعد ان الجأت الملكيين الى الفرار الى الشعاب والكهوف وكانت مأرب هي المدينة الرئيسية التي سقطت بيد الملكيين وبناء على تعليمات المشير عامر اعدت خطة لاستعادة مأرب . حيث قامت قوتان مشتركتان من الجمهوريين والمصريين بهجوم على طريق صنعاء – مأرب وفي 25 من فبراير استولت القوتان بقيادة المشير بن عامر على مدينة مأرب.
وبعدها قاد حملة اخرى وطهر فيها طريق صنعاء – تعز حتى وصل إلى مدينة إب . وكان الهجوم الرابع في 7 مارس على حريب وتم الاستيلاء عليها وبعد هذه الحملات الاربع اصبح الجمهوريون يسيطرون على كل المدن اليمنية المهمة وعلى الطرق الرئيسية وباستيلائهم على حريب استطاعوا ان يوقفوا الامدادات الملكية اليت كانت تصلهم عن طريق بيحان.
مشروع أممي
وبعد تحقيق هذه الانتصارات الحربية الكبيرة لقوات صنعاء بدأت الدوائر العالمية تسعى لحل القضية اليمنية والاعتراف بالأمر. الواقع وعمل كل من الرئيس الامريكي كنيدي والأمم المتحدة على محاولة التدخل في القضية . ففي مارس 1963م وصل (رالف بانش ) الى صنعاء وقابل الرئيس السلال والمشير عبدالحكيم عامر وقال له المشير ان جميع مدن اليمن في ايدي الجمهوريين فرد رالف بانش : حتي مأرب ؟ ونقل بانش بطائرة هيلوكبتر الى مأرب وحينما عاد سكرتير الامم المتحدة من مارب الى صنعاء ثم سافر الى عدن عقد مؤتمرا صحفيا تحدث عن الموقف في اليمن مؤكد سيطرة الجمهوريين على كافة مدن اليمن.
وفي 29 ابريل 1963م أعلن ( يوثانت )الأمين العام للأمم المتحدة عن مشروع لفك الارتباط بين السعودية والجمهورية العربية (مصر) في اليمن وكان المشروع يقضي بأن توقف السعودية مساعداتها للملكيين وتمنع استخدام أراضيها لغرض محاربة الجمهورية وفي المقابل تقوم مصر بسحب قواتها تدريجيا من اليمن وبذلك يترك لليمنيين امر تقرير مصيرهم.
وفعلا جاءت قوة من قوات الطوارئ الى صنعاء التابعة للأمم المتحدة والتي تشكلت من الكونغو وغزة ثم تبعها قوات اخرى وهي قوات كندية ويوغسلافية وسويدية ونرويجية واسترالية ونمساوية ومن نيوزلاندا الأمم المتحدة للأشراف على تنفيذ الاتفاقية وبعد حوالي ستة أشهر من العمل غير المجدي قررت الامم المتحدة انهاء دورها في اليمن وقدم الجنرال فون هون استقالته وفيما بعد نشر كتاب ( الجندية من اجل السلام ) وفيه فضح العراقيل التي كانت توضع في طريق تنفيذ اتفاقية السلام في اليمن .
من ثمار الثورة
لقد كان لانتصار ثورة 26 سبتمبر عام 62 تأثير كبير على مجمل الوضاع اليمنية في شماله وجنوبه فشكلت بذلك قاعدة أساسية لانطلاق ثورة 14 اكتوبر عام 63م التي وجدت العوامل المساعدة في الظروف الجديدة التي هيأتها ثورة 26 سبتمبر فبعد سنة من انتصار ثورة 26 سبتمبر تفجر النضال المسلح ضد الاستعمار البريطاني وعملائه من قمم جبال ردفان.
ورغم ذلك فلقد ظهر بعد قيام الثورة بأيام ان هناك اتجاهين سياسيين اتجاها ثوريا واتجاها اصلاحيا (تقليديا ) وكان يمثل الاتجاه الاول تلك القوى التي قامت الثورة على اكتافها والتي شكلت القيادة بينما يمثل الاتجاه الثاني زعماء المعارضة التقليدية التي لم يكن لها نصيب في تفجير الثورة او كانت على علم باحتمال نشوبها ولم تشترك في اشعالها او ساهمت في قيامها ولكن بدور ثانوي. وهذا ما سوف يقود إلى مرحلة جديدة من الاحداث والصراع الدامي اضافه الى حربهم ضد الملكيين و لم تنتهي تلك الا بمطلع السبعينيات مع اعتراف المملكة العربية السعودية بالنظام الجمهوري بصنعاء بعد ثمان سنوات من الحرب.