سنوات الضياع .. السدمي.. يحيى حسين (1)
كانت ليلة طويلة وقاسية جدآ، من ليالي حرب صيف العام 1994م، وبدت أن لانهاية لها، وكنت أعمل حينها على مشروع قدمته لتطوير صحيفة 26 سبتمبر ومجلة الجيش،
بالاضافة إلى عملي الاساسي بإصدار العدد اليومي من ملحق الصحيفة 26 سبتمبر، والذي كنت قد عرضت مشروعه على رئيس النظام البائد علي صالح أثناء إفتتاحه لمعرض صور إنتصارات حرب صيف العام: 1994م، ولاقى إستحسانه وأمر وقتها بتقديم ذلك المشروع مكتوبا، والذي إختصاره طلب تحويل إصدار الصحيفة 26سبتمبر من إسبوعية الى يومية، وإعادة إصدارها كصحيفة حكومية، وهو ما أثار غضب العقيد علي الشاطر وعبده بورجي آنذاك ليقوما بحجزي شهراً كاملاً، داخل ما كان يسمى آنذاك بدائرة الصحافة والطباعة والنشر.
لم أكن وحيدا بتلك الليلة الاولى في حجزي داخل دائرة عسكرية جمعتني بزملاء في المهنة أجاد مديرها طحنهم بامتياز .
كان منهم محمد عبدالعزيز، وأمين منصور، وأحمد الرمعي (رحمه الله), وعيبان الكوكباني ويحيى السدمي، واخرين يعجز الناظر الى بؤسهم عن سؤالهم عن حالهم, فمنهم من قضى نحبه, ومنهم من لايزال ينتظر، في تلك الليلة كان الفقيد يحيى حسين غاضبا وهو يعاود قراءة قراراً بمنح اوسمة للشجاعة لبعض من اذرعة طغيان وبطش ذلك المدير الطاغية، حتى، بدأ بكتابة الاحرف الاولى من: (وسام البدروم) وهو من اشهر مقالات الفقيد الساخرة والتي صاغ حروفها بدمه وروحه، حكاية تحكي كيفية الضياع، ونهاية الابداع، في "غياهب للجب" أمعن الطاغية في رفع أسواره الشائكة حتى حجب أي نور للحقيقة او للعدالة من الوصول الى ساحاته، في ظل نظام اعطى للظالمين والفاسدين امتياز البطش والاستبداد والنهب والطغيان دون رادع.
اقول: كان اول لقاء لي بالفقيد السدمي بعد قرار تعييني كمخرج للصحيفة وصحافي (مدني) في دائرة عسكرية للصحافة والطباعة والنشر، وفي مواجهتي قال مبتسما: اخشى ان تكون قد ورطت نفسك ومضيت باولى خطواتك في عالم للضياع والبؤس والشقاء والظلم والطغيان.
ادركت حينها كصحافي شاب خطورة القادم علي من الايام في مؤسسة عسكرية واعلامية يديرها طاغية.
كانت كتابات السدمي الساخرة تنطق بمعاناته والمه في مواجهة غير عادلة مع ظالم امتهن الطغيان كوسيلة لاستعباد المبدعين وتسخيرهم واذلالهم، ولكن ذلك لم يزد "يحيى" الا ابداعا ونضوجا، حتى وصل لمرحلة من الابداع بدأ فيها بكتابة استثنائية عن: " سقوط المؤامرة" وهو عنوان لكتاب يحكي احداث عاشها المؤلف السدمي اثناء حرب صيف العام 1994م بعد ان قام بتوثيقها بشكل متميز وخيال عالٍ ودقة متناهية لكاتب استثنائي .. ولكن "الكاتب السدمي" ارتكب خطأ عمره بعد أن قدم كل ذلك الجهد الخرافي لمن كان يحذر الاخرين من ظلمه وطغيانه, وبدأت معاناة جديدة للكاتب والفقيد السدمي مثلتها مصادرة الطاغية لجهوده وابداعه، وتخللها صراع دار بين ظالمين انفردا بامتياز القرب من راس النظام البائد صالح ومن يظهر بجهود "الكاتب السدمي" منفردا، حتى وجد كاتب هذا نفسه وسط كل هذه الفوضى والعبث بحقوق الاخرين .
وبرغم اني كنت مع الكاتب الا ان الظالم مضى بطغيانه واقحم كاتب مأجور (ع.ت) بكتابة جزء هزيل من الكتاب لينتزع من خلاله جهود السدمي وحقوقه عنوة، ويصدر مؤامراته، بكتاب أسقط به السدمي، ونال بمؤامرة دنيئة، رضا رأس النظام البائد صالح، ومباركته، وأيضا جائزته المالية، والتي لم يحصل الكاتب منها حتى الفتات، ولا كاتب هذا، رغم ما بذله في تصميم واخراج "سقوط المؤامرة"
رحمك الله يا أخي وصديقي وزميلي يحيى حسين السدمي" أيها الرجل الحبيب صاحب القلب الطيب، عشت حياة صعبة، وتركت الدنيا موجوع القلب، متألماً، بإساءات لا تستحقها، ولم تحصل على أي حق تستحقه، رغم صمودك وتفانيك في خدمة "يمن" لم يوفك حتى أبسط تكريم تستحقه، نم قرير العين يا يحيى، فأنت اليوم بين يدي من لا يظلم عنده أحد، وأصرخ يا صديقي حتى يسمعك كل من بإذنه صمم، من الظالمين والفاسدين, واطلب من مالك الكون إنصافا تستحقه، فالله لا يحب الظالمين، ولا الفاسدين، وسيريهم عجائب قدرته، ومهما مكروا، فالله خير الماكرين يا صديقي.
المدير المجاهد العميد يحيى سريع .. تدين دائرة التوجيه والصحيفة ليحيى حسين السدمي بتكريم يستحقه .. فأعطه "ميتا" حق أولاك الله مسؤوليته، بعد أن انتزعه منه "حيا" كل ظالم وطاغية لعين.