بوح اليراع: احتفالاتُ الليل تُربكُ (إسرائيل)
الشعب العربي الفلسطيني شعبٌ فولاذي الإرادة، فبالرغم من تواطؤ الغرب الصهيوصليبي مع عدوه الجاثم على مسرى خير الأنام منذ عشرات الأعوام
وبالرغم من تخاذل العرب والمسلمين عن نصرة هذا الشعب الهمام الذي يجود بالتضحيات الجسام دفاعًا عن مقدسات الإسلام، فلم يرفع راية الاستسلام، ولم يعر عوامل الانهزام أيَّ اهتمام، بقدر ما تسعى مقاومته الظافرة -بكل مثابرة- إلى تطوير وسائل وأساليب المقاومة بصورة دائمة، حتى بات أداء أسلحتها البدائية الصنع -في المواجهات المتأخرة- يكافئ بتأثيراته النفسية المتكررة أداء أسلحة العدو الحديثة والمتطورة.
ولأن التوسع الاستيطاني يُقابل بتجاهل عربي، فقد تحتم على الفلسطينيين -للحد من هذا التوسع الذي يلتهم أراضيهم بتسارُع مفجع- خوض مواجهات قدموا خلالها الكثير من التضحيات، حتى تفتقت أذهان بعض شبابهم المقاوم عن أسلوب مقاومة جديد سمِّي -بالنظر إلى زمن ممارسته- "الإرباك الليلي" وجه صوب مستوطني المستوطنات القريبة من جدار الفصل العنصري الذي يفصل قطاع غزة عن الأراضي المحتلة وأبراج المراقبة المنتشرة في عرض الشريط الحدودي وطوله، وقد بدأ هذا الأسلوب الذي لم يتجاوز عمره ثلاثة أعوام يؤتي أكله، فقد ورد في تقرير إخباري بعنوان: "[الإرباك الليلي] ابتكار فلسطيني لإزعاج الإسرائيليين قرب حدود غزة" نشر في موقع (DW) الألماني مساء الـ2 من أكتوبر 2018: (شكل الفلسطينيون مجموعات تسمى "وحدات الإرباك الليلي" تضم مئات الشبان والصبية ومهمتها خلق أجواء "رعب وإزعاج" لمئات السكان الإسرائيليين في المستوطنات والبلدات الزراعية الحدودية، ولعشرات الجنود الإسرائيليين الذين يراقبون الحدود من أبراج مراقبة عسكرية أو في مواقع أقيمت مؤخرًا خلف تلال رملية على طول الحدود الشرقية والشمالية للقطاع).
أما ملاك تلك الوحدات فلم يكن يتجاوز في بادئ أمرها العشرات، فقد استهل الصحفي "أيمن الجرجاوي" مقاله المعنون "[الإرباك الليلي].. غزة تقاوم جنود الاحتلال بحرمانهم من النوم" الذي نشر في "الجزيرة نت" بتأريخ 26 سبتمبر 2018م بقوله: (يتقدم الشاب يوسف أبو الوليد ذو الـ29 بحذر شديد تحت جنح الظلام إلى المنطقة الحدودية بين قطاع غزة وإسرائيل شرقي رفح، ويرصد بعينيه حركة الجنود الإسرائيليين في المنطقة، قبل أن يُعطي لرفاقه إشارة للتقدم نحو ألفي متر، وهي مسافة أقرب منزل سكني إليه.
وما هي إلا خمس دقائق -بعد التاسعة ليلاً- حتى وصل إلى ذلك المكان نحو خمسين شابًا وفتى على متن ثلاثة تكاتك "دراجات نارية بثلاث عجلات").
وتقتصر أنشطة تلك الوحدات على تنظيم فعاليات ليلية حافلة بالرقصات الشعبية والأناشيد الوطنية التي ترهف الإحساس وتلهب الحماس، فقد اشتمل تقرير ميداني بعنوان "وحدة الإرباك الليلي التي تمنع الإسرائيليين من النوم.. عندما تصبح الأغاني الوطنية سلاحًا فتاكًا يستغل نقطة ضعف جنود الاحتلال" نشره موقع "عربي بوست" بتأريخ 2019م على: (في إحدى المرات تجمَّع قرابة ثلاثمائة من المواطنين المشاركين في وحدة الإرباك الليلي على بعد عشرات الأمتار من السياج الحدودي شرقي غزة، وأقاموا فعاليات شعبية على وقع الطبول والأغاني والدبكة الفلكلورية، مستخدمين سماعات ومكبرات صوت، إضافةً إلى إطلاق العنان لأبواق مزاميرهم)، وفي إشارة من التقرير إلى أهمية الأغاني والأناشيد الوطنية استُهل بالآتي: (اكتشف الفلسطينيون سلاحًا جديدًا فعالاً ضد الاحتلال الإسرائيلي، إنها الأغاني والأهازيج الوطنية وغيرها من الأنشطة التي تُنفذها وحدة الإرباك الليلي بغزة).
أما الأدوات المستخدمة في تلك الفعاليات فيتركز معظمها في أدوات إحياء المناسبات كالدف والطبل والمزمار ومكبرات الصوت التي عادة ما تستخدم أثناء ترديد الأناشيد، ومن ناحية أخرى فقد أضيف عليها -في ما أشير في التقرير الأخير إلى توزيع المهام-: (فمنهم مَن سيُشعل النار بالإطارات على الحدود، وآخرون مهمتهم تشغيل مكبّرات الصوت وبثّ الأغاني الوطنية والثوريّة، في حين ستهتمّ مجموعة أخرى برمي الحجارة وقنابل "المولوتوف" المشتعلة والبالونات الحارقة على المواقع الإسرائيلية، وتسليط ضوء الليزر على عيون جنود صهيون).
وعلى الرغم من مكابرة الكيان الصهيوني وانتقاصه من أهمية "الإرباك الليلي"، فقد أشارت بعض وجاهاته المجتمعية إلى وضوح أثره وتعاظًم خطره بشكل جلي، فقد أورد موقع (DW) الألماني في استطلاع الرأي الذي أجراه حول هذه القضية مطلع أكتوبر2018م ما يلي: (تقول "روني كيسين" الناطقة باسم المجلس المحلي في "كيرم شالوم" الواقعة قرب حدود "غزة": "إن التظاهرات الليلية تشكل كابوسًا". وقالت، "لقد بدءُوا بإلقاء قنابل صوتية، والأمر مخيف جدًّا. فالأطفال خائفون جداً منها، إنها خطيرة جدًّا، وتعتبر فعلاً بتأثيره مثل السلاح).
أما أهم وآخر اعترافات الكيان على المستوى الرسمي- فيتمثل -كما ورد أمس الأول في "وكالة معا الإخبارية" نقلاً عن قناة "كان" العبرية- في ما بدأت "مصر" و"قطر" تمارسانه من ضغط على "حماس" لإيقاف "الإرباك"، وما كان الكيان ليسعى لإيقافه، لولا ما ترتب عليه من إخافة.