اليمن.. لعبة الدم والموت إلى أين؟!..(94)
وفي ظل التغييب القسري المستمر للعقل والمنطق، لابَدَ أن يستمر أبناء اليمن في صراعات وحروب دامية وباهضة الأثمان والتكاليف, فيما بينهم إلى مالانهاية,
وبلا انقطاع ولا توقف, أو حتى " مجرد استراحة محارب" كما يقولون, يلتقط خلالها من يتحاربون ويتصارعون كالديكة عبثاً بعض أنفاسهم المُجهدة, المُتعبة, المُستنزفة في لعبة الدم والموت اللامُنتهية هُنا.
صراعات وحروب تندلع أحياناً لأتفه الأسباب, ولا طائل منها إلا الخراب والدمار وتمزيق النسيج الإجتماعي الواحد, وحرمان البلاد عامة من فرص مُتاحة تُهدر لتحقيق النمو والنهوض والتقدم المنشود والمُبتغى حتى ولو كان هذا المأمول والمرجُو تحقيقه من ذلك على الأقل في حدوده الدنيا في بعض الفترات والأحايين واللحظات التاريخية .
وكأنهُ قُدر على أبناء هذا البلد العربي المنكوب والمضطرب دوماً أن يظل في صراع ونزاع وحروب لاتنتهي فيما بين أبنائه, لدرجة أننا لانكاد ننسى اسم الحرب التي شهدناها بالأمس القريب, ونتذكر بعض ضحاياها والمُتسببين فيها, حتى تندلع حرب جديدة, وتتجدد دورات عنف دامية لم تكن بالحسبان, فتُنسينا حرب مضت ولا نكاد نتذكر بعض أسماء من سقطوا فيها من الضحايا, وننشغل مُجدداً بالحرب الجديدة وتستغرقنا لحين, وهكذا دواليك !.
وكأننا خُلقنا ووجدنا هنا لنحارب ونقتل بعضنا بعضا, ويُرسل من نجا منا من الحروب إخوة أو أباء أو أصدقاء لهم إلى المقابر ونبكيهم لفترة قصيرة, ويبقى الحزن مُخيم علينا وعلى كل شيء في حياتنا التي تشبه ساحة حرب مفتوحة على كل الإحتمالات والتوقعات, ولا شيء غير الموت وروائحه النتنة تنتشر في أرجاء أرض اليمن الغير سعيد !.
وكان أحرى وأولى بأبناء الوطن الواحد الذين يتحاربون ويتصارعون عادةً وغالباً على السلطة والثروة وما يمثلانه من مصالح, أن يتفقوا على كلمة سواء فيما بينهم ويُحكمون العقل والمنطق ويرفقون بأنفسهم وببلادهم ويؤمنون بمبدأ الشراكة والتعايش ويدركون ويعون جيداً أن الوطن يتسع لجميع أبنائه, وأنهم مُطالبون في كل الأحوال والظروف بتقبل بعضهم البعض, وعدم الإنجرار وراء الإصرار على الإلغاء والتهميش والإقصاء والتخوين لبعضهم البعض, في انسياقٍ فج خلف دوافع سياسية ومصالح شخصية آنية ونرجسيات مقيتة تجعلهم يختزلون الوطن والشعب في أشخاص وجماعات فئوية محدودة, ويفكرون بعقليات مريضة .
ليست الحروب والصراعات ولن تكون على الإطلاق هي الوسيلة والطريقة المُثلى والسليمة لتسوية أية حسابات وخلافات, ولا البغي على بعضنا البعض هو الأنسب والأضمن لفرض الحلول وسياسة الأمر الواقع, هناك وسائل وطرق حضارية يتوجب اللجوء إليها إن أردنا بناء وطن وحضارة يتوفر له هنا كل المقومات والمؤهلات والإمكانيات اللازمة, ولا ينقصنا شيء إن أردنا فعل ذلك وتحقيقه .
وفي مختلف مراحل التاريخ اليمني, قديمه وحديثه, والتي شهدت صراعات وحروب دامية بين اليمنيين, إما على السلطة والنفوذ, وإما على الثروة وتقاسم المصالح ومناطق السيطرة, لم يدرك هؤلاء الحمقى أن تنازعهم فيما بينهم قد أفشلهم وذهب بريحهم, وجعلهم أمام أعدائهم والطامعين والمتربصين بهم وبلادهم من المحتلين والمستعمرين لقمة سائغة وهدف سهل التحقيق والمنال.
وليت أبناء اليمن الذين كانوا ولا يزالون يتحاربون ويتصارعون فيما بينهم, بل ويستدعون العامل الخارجي, أو بالأصح المُتدخل الإقليمي والدولي في حروبهم الأهلية الداخلية, كانوا على قدر كاف من الوعي والعقلانية والإدراك, بل والإيمان بأن اعتمادهم الحرب كوسيلة لتسوية الخلافات والحسابات فيما بينهم ماكان ولن يكون هو الحل الأنسب لما يعترضهم ويصادفهم من اشكالات, وأن الأمر لو كانوا يعقلون ويفقهون لايستدعي أبدا اللجوء للحرب وتشبيب النيران لحل أية مُعضلة مهما كانت الأسباب .
وكان بالإمكان بدل الحرب والدمار والخراب وسفك الدماء وتبديد الإمكانيات وجلب الخسران وويلات الحروب على أنفسهم أن يحكموا مابينهم العقل والمنطق وأن لايذهبوا بعيداً عن ذلك .
واليمن في كل الأحوال لم تعد تحتمل مزيد من الحروب والصراعات, يكفيها مامرت به ومر بها من أهوال الحروب ونشر لغة الموت وتكريس الأحقاد والحض على ثقافة الكراهية .
ولو عُدنا على سبيل المثال لا الحصر إلى ماشهدته البلاد خلال العقود الخمسة المنصرمة من تاريخ اليمن الحديث والمعاصر فقط, لوجدنا أن اليمن شهدت خلال هذه الفترة التاريخية وحدها عشرات الحروب والصراعات الدامية والمعارك المهيلة بين أبنائها كلها كان ولا يزال دافعها السلطة والمال, حيث تمحور صراع المتصارعين ولا يزال هنا حول أمر الحكم والثروة ومن هو الأحق بالسيطرة والإستيلاء عليهما, بل والإستئثار بهما .
وقد سعى الساعون من الطامعين والمغامرين ولا زالوا هنا لإستخلاص أمر السلطة والمال لأنفسهم وإبعاد وإقصاء الآخرين, ومن وصل منهم لسدة الحكم وسيطر على موارد البلاد والعباد أدعى أحقيته بذلك ومضى قدما في تكريس سلطته الفردية وإعتبار اليمن إقطاعية خاصة ورثها عن آبائه وأجداده وأعتبر نفسه فوق مستوى النقد والشبهات وأعتقد بأنه مُنزه عن النقصان, ولكي يكون بارعاً في التدجيل وخداع الشعب رفع وتبنى مجموعة من الشعارات الرنانة البراقة التي يظهر بها حرص على مصالح الشعب والوطن وخدمتها والسهر على حمايتها, وأبدى نُسكا وزهداً وورعاً وزعم طهارة وعفة ونزاهة ودغدغ بخطبه الحماسية وكلماته المعسولة مشاعر وعواطف السذج والمخدوعين به من عامة الشعب, وهو يبطن خلاف مايظهر .
وهكذا يستمر التدليس وخداع هذا الشعب من قبل من أُبتلي بهم من النفعيين والوصوليين الذين تهيأت لهم الظروف ووصلوا للحكم على حين غرة وغفلة من التاريخ والجميع, وتستمر حكاية الخداع والضحك على ذقون أبناء الشعب, وهؤلاء الذين قادوا الشعب والبلاد إلى أسوأ حال ومصير ومنقلب يتشابهون في دعاواهم ومزاعمهم الباطلة وأكاذيبهم وفي حيلهم التي أنطلت على من خُدعوا بهم, وجميعهم كاذبون مُخادعون مكارون غرروا بالسذج الغُفل وكذبوا عليهم بما لاكوه ورددوه من أكاذيب بأنهم جاءوا لنصرة المظلومين والمستضعفين, وتحقيق العدل والنماء وتطوير البلاد ومحاربة الفساد, وقالوا: أنهم ماضون لإخراج الوطن إلى بر الأمان, ولا أمان ولا هم يحزنون, بل عوضاً عن ذلك فقد ضاعفوا مخاوف الخائفين ووسعوا مساحة الخوف وإنعدام الأمان, وما أخرجوا الوطن ولم يكونوا بمُخرجيه إلا إلى حيث أخرجوهُ هُنا مع الأسف الشديد, لساحات الموت والخراب والتدمير الممنهج له, فبئس الخروج وبئس المُخرجين الأشرار وما أخرجوه, ويمكرون والله خير الماكرين, قاتلهم الله أنى يؤفكون !.
......يتبع .......