الساحل الغربي (الحلقة 72)
ولا مناص من الإشارة إلى أن إريتريا عقب هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية احتلت من قبل الحلفاء وسلمت لبريطانيا في فترة حكم انتقالية,
وبعد مؤامرة دولية (تقرر منح إرتيريا استقلالاً ذاتياً وتوحيدها مع الحبشة فيدرالياً ) , وفي سبتمبر 1952م دخل قرار الأمم المتحدة حيز التنفيذ , ومنذ ذلك الحين حتى نهاية عقد الثمانينات من القرن العشرين نالت استقلالها عن الحبشة بعد معانات ونضال طويلين من استعمار فاشي من قبل اثيوبيا التي كانت تصر على أن اريتريا جزء لا يتجزأ من أثيوبيا.
احتلت إيطاليا عدة أجزاء من إرتيريا بين 1869و 1903م ولم تأخذ أي جزء منها من الحبشة فقد كان لهذه المنطقة طابعها الخاص على مر العصور حيث كانت تخضع لزعماء محليين يحكم كل واحد منهم الجزء الخاص به من ولاية أو سلطنة , وسكان هذه المناطق معظمهم مسلمون وعمدت إيطاليا منذ بداية وصولها إلى المنطقة إلى عقد اتفاقيات الولاء والصداقة والحماية وشراء الأراضي من هؤلاء الشيوخ إلى أن أكملت إيطاليا تأسيس مستعمرتها في هذا الساحل ولم يكن بين إيطاليا والحبشة حتى تلك الفترة أي نوع من الخلاف حول أن هذه الأراضي التي تحتلها هي جزء من الحبشة .
بدأ الخلاف بين إيطاليا والحبشة عقب معاهدة أو تشياللي 1889م أو بالأحرى عقب اكتشاف منليك ما تعنيه المادة السابعة عشرة منها , و ماتوضحه من أطماع إيطالية في أراضي الحبشة نفسها وتجدر الإشارة إلى أن منليك اعترف بمقتضى هذه المعاهدة بسيادة ملك إيطاليا على المستعمرات التي تسمى بالممتلكات الإيطالية على ساحل البحر الأحمر .
أدى في النهاية هذا الخلاف حول معاهدة أو تشياللي إلى تعكير الصفو بين إيطاليا والحبشة أدى إلى صدام مسلح بينهما . وهزيمة الإيطاليين في واقعتي أمبالاجي وعدة المشهورتين 1895- 1896م وارتداد إيطاليا عن الحبشة إلى الأراضي الإرتيرية , و إرساء العلاقة بين البلدين على إبرام الصلح في 2 أكتوبر 1896م .
وعلى الرغم من أن الأحباش أثناء معركة عدوة كانوا بالفعل قد طاردوا الإيطاليين حتى ( أديجرات ) في الأراضي الإريترية , وضربوا حصاراً على قلعتها مما جعل موقفهم أقوى من إيطاليا , إلا أنهم بموجب تلك المعاهدة أقروا الحدود بينهم وبين المستعمرة الإيطالية , ولم يطالبوا بأي جزء منها وحددت المادة الرابعة منها مراعاة حدود المأرب _ بيليسيا _ مونا كحدود بين إريتريا والحبشة .
وعليه لوكانت الحبشة مقتنعة تمام الإقتناع بأن إريتريا أو تلك الأراضي التي تمتلكها إيطاليا جزء منها لما قامت بالموافقة على تلك المعاهدة والحدود التي وضعتها وهي في مركز القوة بل العكس كانت تمسكت تماماً بما تقتنع به.
وإذا رجعنا قليلاًإلى الوراء نجد أيضاً أن القوى الإستعمارية كانت قد أتاحت الفرصة للحبشة بمنحها منطقة البوغوص بمقتضى معاهدة عدوة بين الحبشة ومصر وبريطانيا في عام 1884م إلا أن الحبشة لم تتخذ أية خطوة تجاه تلك المنطقة كما أن منليك قد دعا إيطاليا إلى احتلال مقاطعة أسمرا في رسالة تاريخها 10مارس 1881م وبالطبع لوكان منليك مقتنعاً بأن هذه الأراضي تعود للحبشة لما دعا إيطاليا لاحتلالها وهو يسعى في نفس الوقت ليكون الإمبراطور على عرش الحبشة.
وأخيراً رأت الحكومة الإيطالية أن ما يردده الرأي العام في إيطاليا حول الكارثة التي منيت بها في عدوة لم يعر انتباهاً إلى أن إيطاليا تحولت إلى مهمة أبقى أثراً في تاريخ استعمارهم في شرق افريقيا , وهي تحقيق أملها في مستعمرة إريتريا واكتمال حدودها , والتي استقرت نهائيا بفضل اتفاقيات الحدود بين بريطانيا والحبشة ومصر وحكومة السودان في الفترة ما بين ( 1887 - 1908م ).
وهكذا تمت هذه الصفحة التاريخية التي وضح فيها جلياً أهمية إبعاد الدول الاستعمارية عن المنطقة . فإن ما دار من صراع ويدور حتى الآن حول البحر الأحمر إنما هو صراع تاريخي ودولي متداخل مع بعضه البعض وإن اختلفت وسائله وأشكاله وعليه لابد من قطع الطريق أمام الدول الكبرى ومحاولة إبعادها عن المنطقة بعدم منحها أية امتيازات تهيئ لها موطئ قدم في المنطقة بإقامة قواعد عسكرية أو أية امتيازات ينجم عنها محاولة إملاء شروطها ووسائلها لزرع أيديولوجيتها و افكارها وسياستها المتطرفة , وتقف خارطة إفريقيا الشرقية , وسواحل البحر الأحمر شاهداً على ذلك .
أصبحت الآن منطقة البحر الأحمر والقرن الإفريقي إحدى بؤر الصراع القابلة للانفجار في أي وقت ولقد زاد الطين بلة قيام دولة الكيان الصهيوني في الأراضي الفلسطينية ومحاولة إسرائيل التغلغل إلى منطقة السواحل الغربية للبحر الأحمر لاسيما والعلاقة بينها وبين أثيوبيا واريتريا وطيدة .
وكل ما أستطيع قوله في ختام هذه السطور إن مسؤولية حماية البحر الأحمر وأمنه تقع على عاتق الدول المحيطة به , وتتمثل في عدم التهاون في أية بقعة من بقاعه , بخلق سد منيع في وجه أية محاولة تدخل أجنبية سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة.