حديث الإثنين: الوفد الوطني لن يكرر تجربة حوارعام 1970م
المنبطحون الذين تعودوا على التفريط في سيادة الوطن وتسليم رقابهم للغير ترتفع أصواتهم هذه الأيام معاتبة الوفد الوطني المفاوض لأنه حسب زعمهم لم يقبل بالمبادرة السعودية المسمومة والملغومة وينتقدونه لرفضها شكلا ومضمونا ..
نذكر هؤلاء بما حدث عام 1970م حينما باع القادة الجمهوريون الوطن للسعودية وتحولوا إلى موظفين في اللجنة الخاصة بالرياض في مقابل ان تعترف السعودية بالنظام الجمهوري وتخلصهم من تهديدات بيت حميد الدين له مشترطين على السعودية استبعادهم من اية مصالحة وطنية وأتحداهم ان يفرجوا على اتفاقية جدة التي اعترفت السعودية بموجبها بالنظام الجمهوري وضمنتها كل شروطها التي جعلتها منذ تلك الفترة هي الحاكم الفعلي لليمن ووقعها عن الجانب الجمهوري الفريق حسن العمري عضو المجلس الجمهوري القائد العام للقوات المسلحة آنذاك وكذلك الأستاذ محسن العيني الذي كان يشغل منصب رئيس مجلس الوزراء.
غير مدركين ان الفضل في بقاء النظام الجمهوري في اليمن يعود للإمام محمد البدر شخصيا الذي انقلب الضباط على حكمه وأعلنوها ثورة ضده مستعينين بالجيش المصري ليدافع عنها مدة خمسة اعوام وبعد انسحابه لجأوا الى عدو الثورة الأول السعودية لتحل محل الأشقاء في مصر للحفاظ على النظام الجمهوري في صنعاء وهي مفارقة عجيبة لم تحدث الا في اليمن ان يقوم من كان يحارب الثورة والجمهورية بالدفاع عنهما والحفاظ عليهما وفنادق الرياض خير شاهد .. قد يتساءل البعض حول ما أشرت اليه من ان الفضل في بقاء النظام الجمهوري للإمام البدر شخصيا وهو من قامت الثورة ضده للتخلص من نظامه الملكي .. والجواب المقنع والصريح سأورده في الأسطر التالية : عقب مغادرة الجيش المصري اليمن على إثر هزيمة مصر وسورية والأردن من دولة الكيان الصهيوني التي احتل جيشها خلال ستة ايام ما تبقى من اراض فلسطينية كانت تحت الإدارتين المصرية والأردنية بالإضافة الى احتلال شبه جزيرة سيناء المصرية ومرتفعات الجولان السورية وأراض اردنية وجدها الملك السعودي فيصل فرصة لتحقيق انتصار في اليمن والسيطرة على قراره السياسي فكانت اولى خطواته ان كثف الدعم للملكيين فتقدموا بسرعة البرق في الجبهات حتى تم لهم محاصرة العاصمة صنعاء وحين تلقى الملك فيصل تقارير إستخباراتية تؤكد ان صنعاء اصبحت على وشك السقوط استدعى اليه الإمام محمد البدر وطلب منه ان يوقع على اتفاقية يعترف بموجبها بتبعية مناطق جيزان وعسير ونجران رسميا للسعودية وإلغاء المعاهدة السابقة التي تم التوقيع عليها عام 1934 م بين الامام يحيى ملك اليمن وعبد العزيز ملك السعودية المزمنة بتجديدها كل عشرين سنة قمرية حتى يتم الوصول الى حل للمناطق المذكورة في مقابل استعادة عرشه .. ولكن الإمام البدر الرجل الوطني قال للملك فيصل : تقطع يدي يا فيصل لو وقعت لك حرفا واحدا فتفاجأ الملك فيصل بموقف الامام البدر وهو الذي كان يعتقد انه سيطير فرحا باستعادة عرشه الملكي ويبصم له بكل اصابعه .
ومع ذلك لم ييأس الملك فيصل فقد اوعز لإبن عم البدر الأمير محمد ابن الحسين الذي كان الجنرال علي محسن آنذاك احد مرافقيه واليوم اصبح نائبا لرئيس الجمهورية بالإنقلاب على البدر فعقد مؤتمرا شعبيا في صعدة بدعم سعودي وتم تعيينه رئيسا لمجلس الإمامة وقائدا للجيوش الشعبية فواصل حصار صنعاء وتلقى رسائل من قادة جمهوريين بمن فيهم الفريق العمري حملها اليه القاضي عبد الله العلفي حسب رواية اللواء محمد علي الأكوع رحمه الله لتسليم صنعاء سلميا .. لكن الملك فيصل كرر نفس الطلب بضم مناطق جيزان وعسير ونجران رسميا الى السعودية من الأمير محمد ابن الحسين فقد أرسل فيصل الى جبل نقم المحيط بصنعاء وفدا سعوديا برئاسة مستشاره الخاص رشاد فرعون السوري الأصل ليساومه على سقوط صنعاء بالتوقيع على الاتفاقية التي رفضها البدر .. فلم يكن من الأمير محمد ابن الحسين إلا ان ذهب لمقابلة الملك فيصل وقال له : عملتني حارس حدود يا فيصل .. أدرك الملك فيصل بعدها انه لا فائدة من بيت حميد الدين وان التخلص منهم اصبح ضرورة للسعودية فأوقف دعمه للملكيين وتم التواصل مع الجمهوريين الذين وافقوا له على كل شروطه بما في ذلك التخلص من الضباط الشباب المتأثرين بالقومية العربية وفي مقدمتهم النقيب عبد الرقيب عبد الوهاب رئيس هيئة الأركان فأفتعل لهم الفريق العمري ما عرف بأحداث 24 اغسطس عام 1968 م ليتم التخلص منهم بالقتل والنفي والإعتقال فأصبح الطريق ممهدا امام السعودية لتحقيق كل اهدافها التي لم تستطع تحقيقها من القيادات الملكية .. وهنا اوعز الملك فيصل للفريق قاسم منصر بعد ان تم شراؤه ببراميل من الذهب لينضم الى الجمهوريين وهو من فك الحصار على صنعاء من جهة نقيل يسلح بعد عام على فك حصار صنعاء من جهة طريق الحديدة وكان الشيخ يحيى الراعي رئيس مجلس النواب الحالي وهو ما يزال شابا ممن شاركوا في حصار صنعاء مع العديد من ضباط سنحان ومشايخها ومنهم هادي الحشيشي ومحمد إسماعيل وعلي محسن صالح واحمد إسماعيل ابو حورية وعلي مقصع وغيرهم ممن أصبحوا فيما بعد قادة مهمين في جمهورية صنعاء السعودية في عهد الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح ليحلوا محل قادة جمهورية صنعاء المصرية .. وقد تشكل في شهريوليو من عام 1970 م وفدا يمنيا من كبار المسؤولين والمشايخ ضم اكثر من مائة شخصية برئاسة الفريق حسن العمري فذهب الى جدة لمقابلة الملك فيصل لإقناعه بالاعتراف بالنظام الجمهوري في صنعاء في مقابل الموافقة على كل الشروط السعودية التي سبق ورفضها قادة الملكيين من بيت حميد الدين .. وهذا ما يريده اليوم المنبطحون ان يتم .. لكن ذلك ابعد عليهم من عين الشمس فالشعب اليمني قد شب عن الطوق ويعيش الثورة الحقيقية التي ستحافظ على حريته وسيادته واستقلاله وتعيد له اعتباره ليستعيد دوره الطبيعي والريادي الذي عرف به عبر التاريخ ولن يكرر الوفد الوطني تجربة حوار عام 1970م .