كتابات | آراء

قوى الانتفاع

قوى الانتفاع

 أطلّ علينا حميد الأحمر  من قناة "الجزيرة" وهو يعدد مساوئ الانتقالي والتحالف ويبشر بتدخل تركي في اليمن للتخلص من الحوثي حسب زعمه ،

حميد حمل عقدته اليزنية , وأطل من على القناة كي يبث سمومه في الجماعة التي ينتمي اليها  , وقد تناسى  أن أسرته كانت  لبنة أساسية في  نظام صالح بل وجماعته أيضا وأعني جماعة " الاخوان " وهم يتحملون  المسؤولية الوطنية والأخلاقية والإنسانية عن جل أخطاء المرحلة التي حكم فيها  صالح , ويتحملون  المسؤولية الوطنية والأخلاقية والإنسانية فيما  وصل اليه الوطن اليوم من حالة تشظي وانقسامات وصراع، بل قد نذهب الى أبعد من ذلك وتحديداً منذ حركة 5 نوفمبر 1967م، تلك المرحلة التي أسست لنظام 17 يوليو 1978م وما بعده لكون نظام 17 يوليو 1978م أعاد إنتاج قوى (5 نوفمبر) واستبدل الاتحاد اليمني بالمؤتمر الشعبي العام عملاً بمبدأ توازن القوى الاجتماعية والسياسية ووفقاً لمتطلبات المرحلة التي شهدت حوادث دامية بشقيها البيني الذي تمثل في حوادث الاغتيالات للحمدي ومن بعده الغشمي وتبعات ذلك في الجنوب مع سالمين , والشق الآخر الحرب مع الشطر الجنوبي .
 لم تكن حاشد التي كانت حاضرة بقوتها القبلية والتاريخية بمنأى عن أخطاء المرحلة,  بل هي ضالعة في كل تلك الاخطاء الى حد الاستغراق فيها، لذلك فحين يتحدث أبناء الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر عن الثورة ففي ظني أن مفهوم الثورة في أذهانهم لا يتعدى استبدال رئيس بآخر يكون أكثر ليناً واستجابة لطموحاتهم السياسية، وقد تناسوا أن الثورة فعل تطهيري لا يتصالح مع الماضي ولكنه يهدمه ليكون البديل الذهني الحاضر اكثر نقاءً وطهراً من حاضره وماضيه , وأكثر وعياً وتفاعلاً مع المستقبل، وآل الأحمر جزء من الماضي الذي كان لابد أن تطاله الثورة الحقيقية , وتعمل على تجاوزه، ذلك أنهم طوال قرن ونيف من الزمان عملوا على تشويه الانسان والدولة، وهاكم دلائل التاريخ :
 ففي عام 1905م وقف علماء الهادوية عند شرط واحد من شروط الهادوية في الإمام ولم يتمكنوا من إعلان البيعة لنقصان ذلك الشرط وعدم توافره في الامام يحيى حميد الدين، فعمد الشيخ ناصر بن مبخوت الأحمر الى حصار علماء صعدة وإشهار سيفه في وجوه العلماء معتبراً إياه تمام الشروط لإكمال البيعة وتم له ذلك، وبعد عام واحد تقريباً من خروج الاتراك من اليمن وتحديداً عام 1919م وبعد أن رفض الإمام يحيى حميد الدين منحهم أي امتيازات أو أعمال حكومية خرج ناصر بن مبخوت ومحسن شيبان على الإمام يحيى واحتلوا حجة حينها، وقد استعادها سيف الاسلام أحمد يحيى حميد الدين بعد قتال ومناورة لم تدم طويلاً.
ظل هاجس الطموح الى السلطة موجوداً، إذ في تاريخ لاحق لم يحدده الشماحي في كتابه اليمن« .. الإنسان والحضارة» قام الشيخ ناصر بن ناصر ابن الاول بالزحف على حجة متحالفاً هذه المرة مع بعض قبائل بكيل، فوصل حصن «نيسا» وأخذوه بعد أن تم قتل القاضي حمود حُميد عامل الحصن، وكان مقتله سبباً في انشقاق التحالف وعودة الكثير من القبائل، وبقي الشيخ ناصر بن ناصر قرابة العام بحصن «نيسا» ثم عاد الى حاشد.. ولم يستمر طويلاً حتى عمل على مواجهة حكومة الإمام، وقد أرسل الإمام جيشاً بقيادة السيد عبدالله الوزير، فقضى على تمرد حاشد، وقد لجأ الشيخ ناصر بن ناصر الأحمر الى الملك عبدالعزيز آل سعود، والى عقد الثلاثينيات من القرن الماضي تعود علاقة آل الأحمر بالسعودية وقد أصبحوا  اليد التي تبطش بها الرياض وتدير  المصالح من خلالها.
بعد هذه الحرب لم يكن لحاشد أو آل الأحمر أي دور يُذكر فقد خمدت جذوتهم ولم يكن لهم أي دور في حركات التململ الثوري ولم يساهموا في أحداث  1948م بل ظلوا بمنأى عن الفعل الثوري أو السياسي إلى أن جاء عام 1959م حين وجد الشيخ حميد بن حسين بن ناصر الاحمر في نفسه طموحاً الى السلطة، وخرجت قبائله تناصره وكان زاملها الشهير يقول:
إمامنا الناصر ومن بعده حميد ....... سبحان ذي رد العوايد لأهلها
الأمر الذي جعل الإمام أحمد يحيى حميد الدين يقطع رحلة علاجه الى روما ويعود مهدداً أنه لن يبقي لا أبيض ولا أحمر وقال مقولته الشهيرة "هذا الفرس وهذا الميدان ومن كذّب جرّب" وما هي إلا أيام حتى كان حميد حسين الأحمر ووالده حسين بن ناصر نزلاء سجن قاهرة حجة، وعبدالله بن حسين الأحمر رهينة في المحابشة وقد كان يافعاً حينها.
صدر الحكم بالإعدام في حق حميد الاحمر ووالده حسين الأحمر وظل عبدالله بن حسين رهينة في "القرانة" بالمحابشة الى أن اندلعت شرارة الثورة صبيحة 26سبتمبر 1962م.
خرج عبدالله بن حسين الأحمر من المحابشة ليس بدافع الانتصار للثورة التي اندلعت بل بدافع الثأر لوالده وأخيه حميد ذلك أن الثورة كفلسفة وكتطلع وكانعتاق لم تكن حاضرة في ذهنه بقدر حضور مفردة الثأر والانتقام لمقتل والده وأخيه بعد خروجهم على الإمام في عام 1959م .
عمل الشيخ عبدالله الأحمر مع الشاعر محمد محمود الزبيري في إنعاش الحس الشعبي بعد أن استبدت القيادة القومية , التي يمثلها في اليمن المصري / طلعت حسن / بمقدرات البلد، وصادرت الحقوق وأقصت وطغت، فكان حزب الله هو التعبير الرافض لكل ما هو كائن، وتحت مظلة ذلك التكوين الجماهيري نما الوعي الإخواني في فكر الشيخ عبدالله الأحمر وظل وفياً لتحالفه مع تيار الاخوان الى أن قضى نحبه في مستهل القرن الحالي.
ثمة ممارسات لا إنسانية حدثت إثر قيام الثورة وفي فترة صراعها مع القوى الرجعية- وفق مصطلح التوصيف في ذلك الزمن -  أدت الى تكتل قوى (5 نوفمبر 1967م) إذ تكون من قوى تقليدية وقوى دينية وقوى عسكرية، وقد أطاح هذا التكتل بنظام المشير عبدالله السلال وجاء بالقاضي عبدالرحمن الارياني، حيث وصل الوطن الى الحال الذي يراه كل الفرقاء في العمل السياسي فيداً تقاسمت مقدراته القوى المتحالفة في 5 نوفمبر 1967م ولم ينجُ من ذلك إلا من حماه الإقصاء عن الاشتراك في المناصب السياسية والإدارية- كما يقول ذلك البردوني.
 وفي هذا الزمن أعلنت حكومة أحمد محمد نعمان إفلاسها بعد شهرين فقط من تشكيلها.
لم يدم الأمر طويلاً حتى جاءت حركة 13 يونيو 1974م لتنتصر للوطن وتعيد إليه ذاته واعتباره بعد أن عاثت فيه قوى (5 نوفمبر) فساداً وأخذت الاموال والضِيَاع وكاد الشيخ عبدالله الأحمر أن يضع يده على كل أملاك بيت مال المسلمين في عهد المملكة المتوكلية، وهو الأمر ذاته الذي حدث بعد حرب صيف 94م حيث وضع يده على ممتلكات نائب الرئيس الاسبق علي سالم البيض ومثله غيره وإن كانوا أقل سطوةً كالشيخ سنان أبو لحوم أحد حلفاء ذلك التكتل.
جاءت حركة 13 يونيو 1974م برؤية إصلاحية واضحة واشتغلت على مشروع وطني نهضوي تعاوني ورفعت شعار دولة المواطنين وبدأت بتفكيك قوى (5 نوفمبر 67م) والحد من تأثيرها وفاعليتها، وما كاد الوطن يشعر بقيمة الثورة وحيويتها حتى أعلنت إذاعة صنعاء اغتيال قائد حركة 13 يونيو في 11 اكتوبر 1977م.
وبإستشهاد المقدم ابراهيم محمد الحمدي عادت قوى (5 نوفمبر 1967م) الى المسرح السياسي تلملم شذراتها المتناثرة لتصبح نسيجاً مهماً وفاعلاً في سلطة 17 يوليو 1978م.
حين جاءت سلطة 17 يوليو 1978م لم يكن الطريق أمامها مفروشاً بالورود فقد وجدت نفسها في حالة أشبه بالحالة المصرية إبان السبعينيات حين جاء السادات إلى الحكم فوجد نفسه قطعة شطرنج يحركها الاتحاد الاشتراكي في المساحة التي يراها، وكذلك وجد المقدم  علي عبدالله صالح نفسه بين الناصريين الذين كانوا في أوج ذروتهم وقوتهم وتمكنهم وبين قوى (5 نوفمبر 1967م) التي انشقت بين مؤيدٍ لصالح  وبين رافض، وكان قبولها له على مضض إذ خافت ان يكون امتداداً للرئيس الأسبق ابراهيم الحمدي فيتبدد حلمها في البقاء والسلطة والجاه والثروة، وبين جبهة مشتعلة في الحدود مع الشطر الجنوبي وغليان ثوري للجبهة الوطنية وبين اللادولة  واللا استقرار في كثير من المناطق القبلية، .
وفي مطلع عقد الثمانينيات من القرن الماضي نجد أن سلطة 13 يونيو 74م تركت ظلالاً ثورياً ونسقاً وطنياً ومحدداً قانونياً وضابطاً لائحياً لم يستطع أحد تجاوزه، إذ ظل مهيمناً الى انبلاج الفجر الأول لملامح الوحدة اليمنية.
 ذلك أن صنعاء وعدن اتفقتا على الوحدة وفي ذات السياق اتفقتا على التقاسم، وبشيوع هذه الروح في المناخ العام الوطني تناثرت المنظومة القيمية والاخلاقية، فكان الصراع وحرب صيف 94م.
بعد حرب صيف 94م خرج كل الفرقاء بالأنفال والفيد والغنائم وكانت قوى (5 نوفمبر 67م) هي الأكثر حضوراً، والقارئ للخارطة الجغرافية لمنطقة مذبح وشملان وما جاورهما في صنعاء فقط فضلاً عن بقية المحافظات سواء في الجنوب أو الشمال يدرك مثل ذلك.
وانطلاقاً من كل ما سبق يمكن القول إن قوى (5 نوفمبر 67م) بكل مكوناتها (القبلية، العسكرية، الحزبية) سعت أن يكون لها حضورها الفاعل  في حركة الاضطرابات ,  وفي ساحات التغيير عام 2011م ، ولم يكن  هدفها تطهير المرحلة من أدوات النهب والسطو وتبديد مقدرات الوطن، بل الامتداد التاريخي الذي ما فتئ يجعل من هذا الوطن غنيمة تتقاسمها القوى المنسجمة مع بعضها وهو الأمر الذي رسم ملامح نفسه بعد فبراير من عام 2012بذات الصورة النمطية التاريخية وما كاد يتجاوزها حتى بفصح عنها سلوكا ونهجا  .
لم يكن وجود اللواء علي محسن الاحمر في ساحات التغيير بدافع وطني نهضوي أو أيديولوجي محض، بل بدافع وجودي محض بعد أن نشر موقع ويكليكس وثائق توحي باستهدافه من الطيران السعودي وبإيعاز من غرفة العمليات بصنعاء في آخر حرب وقعت بصعدة ، وكذلك أبناء الشيخ عبدالله الاحمر كان بعضهم بهدف وجودي مثل صادق والآخر ايديولوجي كحميد .
 ما يمكننا قوله إن مفردات القرن العشرين وقواه الوطنية وتكتلاته وملامحه وأجياله المتعاقبة الذين لهم ذات المنزع والثقافة التي يألم منها الوطن، لابد أن يشملهم ملفوظ الثورة , ولابد من محاكمة تاريخية وأخلاقية ووطنية وثقافية واعية حتى نتمكن من إدراك مكامن النكوص الحضاري لهذا الوطن، ونعمل على صياغة لحظة حضارية جديدة نعي ملامحها المستقبلية كما نعي كل ماضيها وأخطائه التي لابد أن نتجاوزها.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا