بوح اليراع: التطبيع مع الكيان تحضير لمنازلة إيران
ممَّا لا يختلف حوله اثنان أنَّ دفعَ الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترمب" بحلفائه أو بالأحرى بعملائه من الأنظمة العربية لتوقيع اتفاقيات تطبيع العلاقات مع الدولة العبرية
التي بدأت بنظام الإمارات واختتمت -إلى حدِّ الآن- بنظام السودان يهدف إلى تشكيل تحالف عسكري ضد جمهورية إيران.
ولعل إدراك طهران خطورة ذلك الاصطفاف قد حملها على التخلي عمَّا كانت تعتمده مع جارتها الإمارات من لغة دبلوماسية واللجوء -بالرغم ممَّا يربط بلديهما من مصالح تجارية- إلى لغة تهديدية المحتوى، بل لقد زعم بعض المُراقبين الإقليميين (أن بعض حلفاء "طهران" خططُّوا لمهاجمة سفارة الإمارات في "إثيوبيا" انتقامًا لمقتل مسؤولين إيرانيين رفيعي المستوى).
ومن المفيد الإشارة إلى أنَّ ملامح اصطفاف محور المُطبعين العرب مع سلطات الكيان ضد "إيران" قد ظهرت في ما لوحظ من رفع وتيرة التنسيقات الاستخباراتية بين جهاز "الموساد" الصهيوني ومختلف الدوائر الأمنية والعسكرية الإماراتية، وهي تنسيقات شبه معلنة ومتجاوزة ما تتطلبه طبيعة عمل الأجهزة الاستخباراتية من سرية إلى حدِّ جعلها مادة إعلامية تتناولها المواقع الإخبارية، فقد تضمن تقرير لموقع إخباري عبري -بالتزامن مع توقيع سلطتي البلدين اتفاقية التطبيع- عن مسؤول صهيوني رفيع قوله: (إنَّ "تل أبيب" بدأت مع "أبوظبي" بإنشاء قاعدة تجسسية في جزيرة سقطرى اليمنية)، وقال إبراهيم فريحات أستاذ حل النزاعات الدولية في معهد الدوحة للدراسات العليا لوكالة الأناضول: (أنَّ المهمة الأساسية لهذه القاعدة التجسسية الإماراتية الصهيونية هي مراقبة الأنشطة الإيرانية).
وإذا كانت حادثة قصف أو تفخيخ السفينة الإسرائيلية "أم في هيليوس راي" في خليج عمان بعد إبحارها من ميناء "الدمام" أحد المرافئ الشرقية السعودية والتي (تُرجح السلطات الإيرانية أنها تتبع للموساد الصهيوني) قد كشفت عمَّا تحصل عليه الدولة العبرية من تسهيلات استخبارية من بعض أنظمة الخليج العربية تمكنها من ممارسة أنشطة تجسسية ضد جارتها "إيران" التي يفترض أن تراعي ما بينها من روابط إسلامية، كما أن ملابسات هذا الحادث قد كشف بوضوح متانة التنسيق الأمني بين نظام "آل سعود" وسلطات الكيان الصهيوني وفي ذلك دليل دامغ على ما يجمع النظامين من اتفاق تطبيع ضمني.
وفي اعتراف ضمني إيراني بالوقوف وراء استهداف السفينة نقلت صحيفة "كيهان" المقربة من المرشد الأعلى "علي خامنئي" -عن مسؤول أمني إيراني- قوله: (إن السفينة كانت تقوم بأنشطة مشبوهة بالقرب من المياه الإقليمية الايرانية؛ ما جعل منها هدفًا كبيرًا رُصد منذ مدة)، وليس هذا وحسب بل لقد احتفت الصحيفة الايرانية بالهجوم، وبمستوى حِرَفِيته العالية، واعتبرته ردًّا على الهجمات الإسرائيلية على أراضيها، والتي كان آخرها استهداف العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده).
والأهم من كل ما تقدَّم أنَّ "كهيان" -وهي صحيفة إيرانية رسمية- قد (ربطت بين موجة التطبيع في الخليج العربي وزيادة النشاط الاستخباري والأمني الإسرائيلي الذي استهدف إيران لتبرر بذلك الهجوم، ولتحذر من هجمات مماثلة أو من استهدافها بهجمات صهيوخليجة مشتركة).
ومن الأدلة شبه القطعية على تأثر الأعمال التجسسية الصهيونية بتوقيع الاتفاقيات التطبيعية (أنَّ الكيان الصهيوني أعلن في بداية فبراير تقريبًا عن إبحار إحدى غواصاته في البحر الأحمر، متجهة إلى بحر العرب، دون الكشف عن وجهتها وعمَّا يترتب على إبحارها من مآرب).
وقد تضمن أول المؤشرات على جدية الكيان الصهيوني في ترجمة ما يجمعه مع حلفائه الخليجيين من تنسيق استخباراتي وأمني إلى مواجهة مشتركة مع الطرف الإيراني (مقال لرئيس المؤتمر اليهودي العالمي "رون لورد" نشر بصحيفة “أراب نيوز” السعودية -بالتزامن مع توقيع اتفاقيات التطبيع- دعا فيه إلى تسريع بناء “الناتو في الشرق الأوسط” دون أيِّ تردد)، مشيرًا بوضوح غير مسبوق إلى (أنَّ الدول العربية التي أُجْريت اتصالات معها تعتبر الحليف الموثوق لسلطات الكيان لخوض المعمعان ضد إيران).
وفي سياق متسق قال "لورد": (في مواجهة التهديد المتسارع لإيران (…) يجب على الإسرائيليين والعرب اغتنام الفرصة للعمل معا لإنقاذ الشرق الأوسط من كارثة التطرف والتسلح النووي التي تلوح في الأفق).
أما المؤشر الثاني على جدية أطراف التطبيع في خوض مواجهة محتملة مع الطرف الإيراني فقد انطوى عليه قول مسؤول إسرائيلي مساء الإثنين الأول من مارس الجاري: (إن إسرائيل والسعودية والإمارات والبحرين ناقشت مسألة توسيع التعاون العسكري لمواجهة أعداء مشتركين)، ولا أظن أنَّ هذا الصهيوني اللعين يقصد بـ"الأعداء المشتركين" سوى الإيرانيين.
وفي طيات مبادرة صهيونية غامضة قال وزير دفاع الكيان الصهيوني "بيني غانتس" -يوم الثلاثاء الـ2 من مارس-: (إنه ينوي إقامة “ترتيب أمني خاص” مع دول الخليج العربية التي لها علاقات مع الكيان وتشاركه المخاوف بشأن إيران).