ذكرى المولد النبوي الشريف.. دروس وعبر
الشيخ / محمد آل قاسم
مناسبة عظيمة وذكرى عاطرة فواحة تشرح القلوب وتسعد النفوس وتشحذ الهمم وتقوي العزائم هي ذكرى المولد النبوي الشريف التي تجعلنا نعيش أجواء روحانية مع رسولنا الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم
الذي كان مولده مولداً للنور والهداية وخلاصا للبشرية من براثن الظلم والضلال والعبودية لغير الله ولهذا يحق لنا نحن المسلمون في مختلف أنحاء العالم أن نحتفي بهذه المناسبة العظيمة ونحيي هذه الذكرى الشريفة بكل فخرٍ واعتزاز وأن نعطيها كل ما تستحقه من التبجيل والتعظيم إجلالاً وتبجيلاً لصاحبها عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم .
معان ودلالات
لذكرى مولد الرسول الأعظم عليه وعلى آله أفضل الصلاة والتسليم دلالاتها ومعانيها الخاصة التي تكتسبها هذه المناسبة العظيمة من عظمة الأثر والتأثير الذي أحدثته ولادة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في مسيرة حياة البشرية على مدى أربعة عشر قرناً من الزمان ولذلك فإننا حين نتحدث عن ذكرى مولده الشريف نتحدث عن مناسبة عظيمة مفعمة بالمعاني والدلالات التي نستلهم منها كل ما يعزز قوتنا ومنعتنا ويهذب نفوسنا ويقوي صلتنا بالله وبرسولنا الأعظم عليه وآله أفضل الصلاة والسلام ويعمق فيما بيننا أواصر التآلف والمحبة وقيم الوحدة والتلاحم والتضامن التي نحن اليوم في أمس الحاجة إليها لاسيما في ظل ما تواجهه أمتنا من تحديات وما يحيق بها من مؤامرات جمّة.. هذه المناسبة العظيمة التي تستمد عظمتها من عظمة ميلاده الذي مثل ميلاد أمة الإسلام التي كتب لها أن تسود الأمم وتقود مسيرة الخير إلى مشارق الأرض ومغاربها حاملة آمال وتطلعات البشر في العدل والحرية والعزة والعيش الكريم ومدافعة عن قيم ومبادئ الإنسانية الحقة التي أرسى قواعدها الصلبة والراسخة رسولنا الأعظم.
كما أن ميلاده صلى الله عليه وآله وسلم مثل نقطة الانطلاق الأولى في مسيرة الحضارة الإسلامية التي ذاع صيتها وتفردت بين الحضارات بما أحدثته من ارتقاء في تفكير الإنسان وإطلاق العنان للعقل البشري وتهيئته للخلاص من أفكار التخلف والعبودية والانتقال به وبتفكيره إلى مجالات أوسع من الحياة الكريمة القائمة على أسس ربانية واضحة المعالم في العدل والمساواة والمحبة ضمن منظومة القيم العليا التي تضبط وتحكم العلاقات وتصان بها كرامة بني الإنسان وتحفظ حقوقهم وفق المنهج الحق والقواعد الصحيحة التي ارتضاها الله وشرعها لعباده في الأرض.
ولهذا فإن إحياء ذكرى مولده صلى الله عليه وآله وسلم هو إحياء لمولد أعظم قائد عرفته البشرية وأكرم إنسان سعدت به الأمم وبذل نفسه ووسعه في سبيل نجاحها وتخليصها من الشرك والوثنية فالرسول الأعظم عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام هو أعظم وأجل وأحق من يحتفي به في أمة وحضارة عريقة خلدت أسمى المعاني وأجل الآثار في أنصع صفحات التاريخ وأغنت التراث الإنساني للبشرية بقيم الحق والعدل والمساواة والتسامح والمحبة وأنارت لبني البشر دروب الخير والصدق والوفاء وألهبت فيهم مواطن التضحية وصور البذل والعطاء وأذكت هممهم لبناء أمة قوية قادرة على مواجهة أعدائها وتجاوز كل ما يعترض مسيرتها من تحديات ومؤامرات.
دروس مستفادة
ذكرى المولد النبوي الشريف مناسبة لها أهميتها ومكانتها وخصوصيتها لدى المسلمين كافة والذين ينبغي أن تكون هذه المناسبة بمثابة محطة إيمانية وتربوية ووقفة للتأمل في عظمة شخصية رسولنا الأعظم التي لا نظير لها في التاريخ ومن الدروس المستفادة من المولد النبوي الشريف
ما يلي:-
- أن تأكيد المحبة يكون بصدق القول والفعل حيث أن التعبير عن ايماننا وحبنا الصادق لرسولنا صلى الله عليه وآله وسلم ينبغي أن يكون تأكيداً على ذلك الإيمان والحب والارتباط والاقتداء به والسير على نهجه في كل أمور حياتنا وتعاملاتنا وتأكيد هذه المحبة من خلال صدق القول والفعل في الاقتداء والتآسي به وجعله مثلنا الأعلى في كافة أمور حياتنا.
- تحمل المسؤولية في تجسيد الأهداف والغايات السامية للدين الإسلامي الحنيف حيث تعتبر ذكرى المولد النبوي الشريف مناسبة عظيمة للوقوف والتأمل في الأهداف السامية والغايات النبيلة التي جاء بها الدين الاسلامي الحنيف وأسس بها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم النواة الأولى للأمة والحضارة الإسلامية ومهد لها طريق النور والخير وجعلها على قمة الأمم بما تحمله من رسالة عظيمة ولابد من حمل وتجسيد تلك الأهداف والغايات.
- تصحيح المسار والنهوض بالأمة حيث لابد من الوقوف في هذه المناسبة وقفة تفكير وتأمل في حالها والعمل من أجل تصحيح مسارها وعدم الاكتفاء فقط بتذكر عظمة حضارتنا وإنجازاتنا السابقة ورفع شعاراتنا وترديد أغانينا وأشعارنا وبقدر ما يتحتم علينا وضعنا الحالي لابد أن نجعل من ذكرى مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرصة سانحة للنهوض بالأمة من كبوتها والسير على نهجه واقتفاء أثره.
- الصبر والتحمل في سبيل الله ومن أجل الأمة وفي تجاوز الصعاب والتحديات التي تواجهها وعدم المبالاة والاكتراث بالمصائب والمحن مهما كانت شدتها وقسوتها وأن نستلهم من صبره وتجلده صلى الله عليه وآله وسلم دروساً عملية في الصبر والتحمل من أجل تحقيق الغايات والاهداف المرجوة مهما كانت شدتها وأهوالها ومهما كانت التضحيات لأن المشاريع العظيمة لا تتحقق الا بتضحيات جمة.
- ضرورة الحرص على وحدة الأمة ورص صفوف المسلمين لمواجهة الأعداء حيث تعتبر مناسبة المولد النبوي الشريف فرصة للتأكيد على وحدة الأمة ورص الصفوف ونبذ كل ما يزعزع ويشق الصف ويفرق بين المسلمين ووحدتهم ولتكن وحدة الأمة هدفاً سامياً للجميع.