ميلاد أمة
نحتفي في هذه الأيام والليالي المباركة والعظيمة بذكرى المولد النبوي الشريف على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم، الذي أرسله الله رحمة للعالمين بشيراً ونذيراً وسراجاً منيرا،
أضاء الكون بنوره الوضاء، وأخرج البشرية من دياجير الظلام إلى نور الإيمان ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، وتجلت فيه كل معاني البهاء وأوصاف الجلال والجمال، فعم الخير والطمأنينة والسكينة والسلام وساد العدل والإخاء والوئام بين الأنام.
وفي غمرة استعدادات شعبنا اليمني لإحياء هذه المناسبة العظيمة والمباركة التي يتوقع أن يكون الاحتشاد لها في الساحات والميادين المحددة قياسياً ومنقطع النظير عن كل الأعوام السابقة، يجدر بنا كيمنيين أن نستلهم الدروس والعبر العظيمة من كل تفاصيل السيرة العطرة لرسولنا الكريم، فنقتفي أثره ونقتدي بهديه ونجدد العزائم في السير على خطى التضحيات العظيمة التي دافع بها رسولنا الأعظم عن الإسلام ووقف في وجه كلّ المتغطرسين والمتجبرين ليصنع بذلك أهم تحول في تاريخ البشرية جمعاء.
إن ميلاد النبي عليه الصلاة والسلام ليس يومًا عاديًا ولن يكون كذلك، إنما هو يومٌ لميلاد أمة، وهي أمة الإسلام التي فضلها الله تعالى على كلّ الأمم، وجعلها خير أمة أخرجت للناس، شعارها التوحيد وشهادة أنّ لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويا له من شرف عظيم ينتمي فيه المسلم إلى أشرف المرسلين وخاتم النبيين وصفوة خلق الله أجمعين سيدنا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم.
ومن حكمة أقدار الله تعالى أن ولادة الرسول الأعظم كانت في نفس العام الذي أنقذ الله الكعبة من الهدم على يد أبرهة الأشرم وجيشه الجرار بما فيه من فيلة وعتاد، وحدثت معجزة الطيور الأبابيل التي قضت على جيش ابرهة وعلى فيله التي كان يراد بها هدم البيت الحرام، لتشرق الأرض بنور ربها ويفيض هذا النور في أنحاء المعمورة إيذاناً ببزوغ شمس الانعتاق من عصور ظلام الجاهليّة وعبادة الأصنام ليعطي الدليلٌ الواضح على أنه ميلاد خير البشر.
فالمولد النبوي الشريف يُعطي دروساً مكثفة في الأمل بالتغيير، وثورة حقيقية تحتاج إلى التفكّر والتأمل، فكما تغيرت الدنيا والحياة بولادة سيد البشر ثم ببعثته، لا بد أن يتغيّر كل شيء بشكل غير متوقع مهما تكالب الأعداء على اليمن وشعبه الصابر والصامد في وجه المعتدين والطغاة المستكبرين.
لذا ليس غريباً أن يشعر المسلمون عامة، واليمنيون على وجه الخصوص في كل عام يحتفلون فيه بذكرى ميلاد النبي أنّ هذا اليوم هو خاصٌ بهم لأنه يملأ قلوبهم بالصفاء والبهجة والمحبة والتراحم وعزيمة التضحية جهاداً في سبيل الله ودفاعاً عن دينه القويم ونصرةً لرسوله الأعظم، فتبادر قلوبهم بتعظيم هذا اليوم الذي جاء فيه حامل نبراس الهدى للبشرية، ما يدفعهم للفرح والابتهاج، فتزدان الشوارع وتتزين بالأعلام والأضواء احتفاء بالمناسبة وتعبيراً عن الفخر بالولاء والانتماء إلى هذا النبي الأعظم والأكرم والأرحم.
ومن المهم بمكان التذكير والتأكيد على أن يكون الاحتفال وإحياء هذه المناسبة بقدر عظمتها، وأن نحرص كل الحرص على التأسي والتحلي بالأخلاق النبوية المحمدية، تلك الأخلاق العظيمة التي غيرت مجرى تاريخ وخارطة العالم فدخل الناس بسببها في دين الله أفواجا.
* وكيل محافظة تعز