الأخبار

ما لم يُكشف من قبل : الاستراتيجية العسكرية للجيش واللجان في معركة الجوف

مرة أخرى تثبت القوات المسلحة قدرتها على مراكمة الإنتصارات والبناء عليها إنتصارات إضافية ذات قيمة إستراتيجية ضمن العمليات الواسعة والشاملة التي أكدت مستوى ما وصلت اليه مختلف الوحدات العسكرية من كفاءة قتالية وقدرة كبيرة على صناعة تحولات عميقة في مسارات المواجهة مع قوى الغزو والعدوان.

ما لم يُكشف من قبل : الاستراتيجية العسكرية للجيش واللجان في معركة الجوف

كنا بالأمس نتحدث عن نهم وأهميتها بالنسبة للعاصمة صنعاء وما مثلته البنيان المرصوص في مرحلتها الأولى واليوم سنسلط الضوء أكثر على المرحلة الثانية من البنيان المرصوص بنتائجها المدهشة في محافظة تعد من ابرز المحافظات اليمنية من الناحيتين الجغرافية والإقتصادية حيث كانت الجوف مسرحاً لعمليات هجومية نفذها أبطال الجيش واللجان الشعبية خلال الأشهر الماضية وأدت الى دحر قوى الغزو والعدوان الى خارج المحافظة قبل أن تحاول الآلة العسكرية السعودية استعادة ولو أطراف من المحافظة حتى تؤكد بقاء أدواتها.

 

لا خطوط حمراء سعودية في اليمن:

قبل الدخول في قراءة تفاصيل العمليات العسكرية لقواتنا سنتطرق بشكل مختصر الى قضية لها علاقة بمسرح العمليات الأخيرة فمحافظة الجوف لها أهمية جغرافية من عدة نواحي :

تعتبر من المحافظات الحدودية مع المملكة السعودية وبما يعني سعودياً أنها ضمن المجال الحيوي للمال السعودي الذي كان يتدفق الى المحافظات والمحافظات المجاوره ضمن عمليات شراء الذمم وكسب الولاء وكانت الجوف تخضع لإمتيازات خاصة نظراً لأهميتها الاقتصادية بإعتبارها تعوم على ثروة نفطية وغازية أكدتها التقارير الإستخباراتية الأميركية والروسية على حد سواء.

كل ذلك دفع الجارة الشمالية الى تصنيف جوف اليمن ضمن المناطق الأكثر أهمية والتي ينبغي التعامل معها وفق سياسات معينه تضمن إبعادها عن أية توجهات يمنية للنهضة وفي ذات الوقت تجعل أبناء المحافظة مدينون للمكرمات الأميرية والهبات الملكية وبشكل يجعلهم بحاجة دائمة للمعونات السعودية وذلك قد لا يتحقق دون تفعيل مستمر للخلافات القبلية المرتبطة بالملف الأمني الأكثر تعقيداً في كافة المناطق الحدودية.

وبالتزامن مع إدارة صراع تناقضات الخارطة القبلية كان لابد من إشعار صنعاء بأن الإقتراب من الجوف يُعد من الخطوط الحمراء ولهذا كان يتم اللجوء إلى تنظيم كل حالات إقتراب الدولة من الجوف بالتنسيق المسبق مع مندوبي اللجنة الخاصة في نجران أو بالإرتباط مباشرة بدوائر صناعة القرار في الرياض.

اليوم لم يُعد هناك خطاً أحمر فقد تجاوزه المجاهدون الأبطال وداسوا عليه كما فعلوا ذلك مراراً بتجاوزهم الكثير من الموانع السعودية فاليمن اليوم الحر المستقل تجاوز أكبر الخطوط طولاً وأعرضها سُمكاً ومتانة كما طوى بالأمس عقوداً من الوصاية والهيمنة.

وفي الحقيقة أن عملية تجاوز الخط الأحمر لم تكن سهلة كما سيتبادر الى ذهن الكثيرين بل كانت وما تزال أكثر تعقيداً وصعوبة غير أن العزم اليماني نجح في كسر الحاجز وبات على مشارف الترتيبات النهائية الضامنة لإستمرار حالة الإرادة اليمنية على كامل المساحة الجغرافية للجوف.

 

جغرافيا مفتوحة:

الجوف تشكل بوابة مفتوحة وواسعة الى كافة المناطق الشرقية ونقطة إتصال طبيعية مع كافة مناطق الربع الخالي الممتدة الى مارب وشبوة وحضرموت ونجران.

وفي الجغرافيا العسكرية نجد الجوف متصلة بمناطقها الغربية والغربية الجنوبية بالهضبة الجبلية الشمالية الغربية لليمن وبحيث لا يمكن الوصول الى مناطق العمق الجغرافي لليمن إلا من خلال هذه المحافظة المرتبطة بمحافظات صعدة وعمران وصنعاء.

أما النقطة الأكثر أهمية من الناحية العسكرية والجغرافية على حد سواء أن الجوف تهيمن على محافظة مارب الذي تبدو أكثر صغراً من حيث المساحة والحضور إذا ما قورنت بالجوف الممتدة على مساحة تصل الى 40الف كيلو متر مربع.

ولعل ما يميز الجوف من الناحية العسكرية تنوع تضاريسها المتدرجة في الإنتقال  من الغرب الجبلي الأقل إرتفاعاً الى الهضاب فالمناطق المفتوحة النافعة ثم الى الكثبان الرملية الواسعة ضمن الجزء الواعد من صحراء الربع الخالي.

 

التاريخ والاقتصاد :

أن تكون في الجوف فهذا يعني تعدد الخيارات للوصول الى وجهتك في المشرق اليمني مع إمكانية الإتصال المباشر بمناطق متعددة من حضرموت الى شبوة ومارب وغرباً الى عمران وصعدة ونهم.

اما إذا عدنا الى الناحية الاقتصادية فإن للجوف أهمية كبرى بإعتبارها منطقة نفطية واعده إضافة الى قابليتها لأن تصبح سلة غذائية لليمن فلا يمكن الحديث عن الإكتفاء الذاتي لا سيما في الحبوب دون الإشارة الى الجوف وجودة منتجاتها الزراعية.

والى جانب ذلك فإن ثروات المحافظة النفطية والغازية والتي لم تستثمر بعد تُعد واحدة من أسباب التدخل الخارجي في اليمن وتحديداً السعودي الأمريكي وسبق وأن نشرت تقارير أجنبية عدة عن ثروة اليمن النفطية والغازية ويدور الحديث عن الجوف كأحد أبرز مناطق الثروة الى جانب محافظات أخرى.

تاريخياً .. إذا كان اليمن منبع العرب الأول ومركز رئيسي من مراكز الحضارة الإنسانية فإن الجوف هي أصل ذلك المنبع وهي ذات ذلك المزكز بنسخته اليمانية الذي نما وأتسع ليشمل كل الجغرافيا اليمنية عندما كانت مملكة معين تمتد في نفوذها السياسي والتجاري من عدن جنوباً حتى غزة على ساحل البحر المتوسط لتربط بين قارات المشرق وقارات المغرب.

ولا غرابة في القول أن ما تحت الرمال من كنوز تاريخية ما قد يمثل الكشف عنه نقطة تحول في مسار تاريخ المنطقة تحديداً والإنسانية عموماً وهذا الكلام سبق وأن قيل ضمن دوائر سياسية ضيقة في صنعاء خلال العقود الماضية عندما كانت ملفات التاريخ اليمني مثلها مثل ملفات النفط والغاز والقبائل والأمن في أدراج السفارتين السعودية والأمريكية.

 

فكرة فاشلة ومقارنة لا تنتهي:  

قبل أن نستكمل إستعراض الأهمية الإستراتيجية للجوف نتطرق الى خطوات العدو السعودي لمواجهة تقدم الجيش واللجان الشعبية في محافظة الجوف والمتغيرات العسكرية المتسارعة :

  • كانت محافظة الجوف ضمن تقاسم المهام والنفوذ من المناطق المحسوبة على السعودية فهي من تتولى إدارة المعركة فيها لتضمن سيطرتها الكاملة على المحافظة وتحولها الى نقطة إنطلاق نحو كلاً من صعدة وعمران وداعمة بشكل أساسي لجبهة نهم مفتاح باب العاصمة.
  • في مرحلة سابقة قدمت لنا العقلية العسكرية السعودية خطة فصل شمال الشمال عن وسط الشمال عموماً من خلال إختراق خارطة الجيش واللجان الشعبية من المنتصف الأقرب الى الجهة الشمالية لتلتقي بعد أن تبدأ بالجوف شرقاً ومن خلال حرف سفيان وحجور بميدي غرباً
  • أخفقت تلك الفكرة في أن تصبح نموذجاً جيداً للتطبيق كونها ركزت على العامل الجغرافي واستندت الى رؤية سطحية لواقع الجغرافيا اليمنية واهملت مرتكزات تلك الخارطة وتفاعلاتها المجتمعية المرتبطة بمتغيرات الموقف العام.
  • نجح العدو الى حد ما ومن خلال تفوقه الجوي في الإحتفاظ بمناطق عدة تابعة لمحافظة الجوف من بينها المركز الرئيس للمحافظة فيما ظلت قوات الجيش واللجان الشعبية محتفظة بالمناطق الغربية من المحافظة.
  • كانت الإستراتيجية العسكرية للقوات المسلحة أكثر واقعية لإستنادها الى الجوف الجغرافيا والمجتمع ولهذا ظلت الإستراتيجية العامة للقوات المسلحة في تلك المحافظة تمنح القادة المحليين مساحات غير عادية لصناعة متغيرات ميدانية تخدم الأهداف العامة وبما يتلائم وطبيعة المتغيرات اليومية على كافة الأصعدة وكأننا أمام عملية حسابية واضحة وسهله لا تتطلب قدرات عقلية معينة لفك شفراتها ولهذا قليلة جداً هي الفرص المهدرة في الأجندة اليومية للوحدات العسكرية التي قد تكون أضعف من الناحية التنظيمية والتسليحيه غير أن الروح المعنوية لأفرادها ظلت عند المستوى العالي بغض النظر عن طبيعة الموقف العسكري.
  • بالمقابل كانت إستراتيجية العدو في الجوف خليط غير متجانس من الأفكار والرؤى المعتمدة على التفوق الجوي ونوعية الأسلحة من المدفعية حتى الدبابة والمدرعة غير أن ذلك أصبح عديم الجدوى في ظل تداخل المهام وتزاحم المشاريع وتعددها ضمن عمليات التنافس اليومية القادرة على إلتهام المزيد من الأموال وفي ذات الوقت الأسلحة والعاجزة عملياً عن تحقيق أي اختراق استراتيجي للسد المنيع الذي شكله الجيش واللجان الشعبية في مناطق غرب المحافظة.

 

مسارات المواجهة:

ذات يوم كان مراسل قناة المسيرة الملقب بـ النوعه لا يجد مادة خبرية مناسبة للإتصال مع إدارة القناة دون أن يتوصل الى طريقة مناسبة تلبي رغبته الملحه في الظهور اليومي على الشاشة الصغيرة ومبدياً خشيته من أن يطول غيابه عن الحد المعقول.

ما هي إلا فترة وجيزة حتى يصبح المراسل الأكثر ظهوراً على شاشة المسيرة بسبب هيمنة أحداث المحافظة على كل الملفات الإخبارية الأخرى.

كانت الوحدات العسكرية للقوات المسلحة في الجوف قد أستكملت مراحل تأمين الخطوط الدفاعية النهائية التي كانت الإرادة العسكرية قد وضعتها كحد نهائي لا يمكن للعدو أن يتجاوزه مهما كانت التضحيات وفي ذات الوقت كان ذلك الحد هو نقطة البداية للبدء في خوض معارك هجومية محدودة.

نجحت مختلف الوحدات العسكرية في إستنساخ الخطة المحلية وتعميمها بما يتلائم مع ظروف كل منطقة على حدة لتبدأ عملية التحول في العمليات العسكرية بالتزامن مع تنامي متسارع للحس الإعلامي لكافة المجاهدين في تلك المناطق لدرجة أن مراسل قناة المسيرة لم يعد قادراً على تلبية الحاجة التوثيقية اليومية لكافة المتغيرات العسكرية التي انتقلت خلال 2018م الى مرحلة الهجمات الواسعة كمرحلة متقدمة من مراحل حرب الإستنزاف التي شهدتها المحافظة خلال السنوات الماضية.

بعد ذلك عمل أبطال القوات المسلحة على تعزيز وتثبيت تواجدهم من خلال التقدم والمرابطة بدلاً من حالات الكر والفر لتصبح المواقع المتقدمة نقاط إنطلاق لتحرير المزيد من المواقع ضمن مسارات محددة تؤدي في نهاية المطاف الى مكاسب إستراتيجية على الأرض ولهذا لم نعد نسمع عن عمليات تصدي خلال الـ 2019م بل عمليات هجومية أدت الى السيطرة على عدد من النقاط الحاكمة.

تقييمات
(0)

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا