حقيقة ديمقراطية أمريكا

قد يستغرب البعض من الذين يجهلون التاريخ الأمريكي عندما نقول إن النظام الانتخابي في أمريكا هو نظام ديكتاتوري بامتياز لأنه محصور بين حزبين لاحتكار السلطة بالتداول هما في الأصل كانا يشكلان حزبا واحدا قبل ان ينشق ويتكون منه الحزبين الجمهوري بشعار الفيل والديمقراطي بشعار الحمار ولم يسمحا لأي حزب آخر أن ينافسهما ويصعد إلى السلطة كما هو حادث في بريطانيا التي ورثت هذا النظام لأمريكا بعد إنهاء استعمارها لأمريكا ،

حقيقة ديمقراطية أمريكا

صحيح إن الحزب الجمهوري محسوبا على اليمين المتطرف والحزب الديمقراطي محسوبا على اليسار لكن هذا التصنيف الهدف منه ذر الرماد على العيون لإظهار شكليا الخلاف بينهما ولكنهما ينفذان سياسة واحدة تم رسمها منذ أمد بعيد لاسيما فيما يتعلق بالسياسة الخارجية ولا يستطيع أيا من الحزبين أن يغير فيها أو يتجاوزها عمليا وإن كان مسموحا للرئيس الذي يمثل الحزب الفائز بالرئاسة أن يطلق تصريحات جوفاء تبق في النهاية محصورة في دائرته الضيقة ولا تجد طريقها إلى التنفيذ .
ومن يقرأ مذكرات الرئيس الراحل ريتشارد نيكسون الذي انتهى عهده بفضيحة ووترغيت وهو ما يزال في بداية ولايته الثانية وأنتقل حكم أمريكا حينئذ الى نائبه جيرالد فورد سيجد أن كلما تنفذه الإدارات الأمريكية المتعاقبة خاصة في الشرق الأوسط مدون حرفيا في مذكرات نيكسون كبرامج وخطط جاهزة رسمت قبل أكثر من خمسين عاما وإشارته فيها إلى أن إسرائيل ستكون الدولة المهيمنة الوحيدة في الشرق الأوسط ومن ضمن هذه السياسة السيطرة التامة على الدول العربية النفطية لما يشكل النفط فيها من أهمية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وأن تكون دولة بني صهيون هي الذراع القوي لأمريكا في المنطقة وهذا ما حاول أن ينفذه حرفيا الرئيس دونالد ترمب خلال ولايته الأولى وكان يأمل بولاية ثانية لاستكماله لكن تنفيذ هذا المشروع توقف مؤقتا بعد فشله في انتخابات 2020 م وقد أتيحت له الفرصة حاليا بعد أن حصل على ولاية ثانية غير متتالية لتنفيذه بالقوة كما يبدو من تصريحاته المهددة والمتوعدة وخضوع الحكام العرب لإرادته ، وإن كنا نعتقد أن هذا الصعود للسياسة الأمريكية والصهيونية في المنطقة وإذلال حكامها وفرض على بعضهم عمليات التطبيع مع دولة الكيان الصهيوني كما فعلت إدارة ترمب الأولى مع الإمارات والبحرين والسودان وتمارس ضغوطات على دول أخرى للحاق بتلك الدول الخانعة والخاضعة سيجعل المنطقة حتما تشهد سيناريوهات قد تدخل المنطقة في دوامة لا يعلم إلا الله كيف ستكون نهايتها خاصة بعد جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبتها أمريكا والكيان الصهيوني في قطاع غزة على مدار عامين لم يشهد لها التاريخ مثيلا وجعلتا منها عصى غليظة لضرب كل من يعترض على سياستيهما .
وهذا في حد ذاته مؤشر خطير قد يدخل أمريكا في سيناريو معقد بسبب مغامرات ترمب وعدم امتثاله للأنظمة والقوانين المعمول بها في أمريكا أولا والقانون الدولي ثانيا ، وإذا ما ترتب على هذه التصرفات للرئيس ترمب من تبعات وتداعيات غير محمودة فإن ذلك سيكون له تأثير مباشر على دول العالم أجمع لا سيما اقتصاديا من خلال تأثر البورصة على المستوى الدولي بهذه التداعيات وهو ما لم يسبق لأمريكا أن شهدت مثل هذه الأزمة من قبل حيث بلغ الدين الأمريكي العام إلى ما يقارب أربعين ترليون دولار بالإضافة إلى مشكلة الاغلاق الحكومي الذي تسبب في جعل ملايين الموظفين بلا وظائف وبدون مرتبات ، وإذا لم يتم وضع حلول عاجلة للتغلب على هذه الأزمة التي يغطي عليها ترمب بتهديده للعالم من خلال رفع الرسوم الجمركية وتنصيب نفسه فرعون العصر فقد تنعكس سلبا على المستوى الداخلي الأمريكي وربما تطالب ولايات أمريكية بالانفصال .
أما بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية فهي ثابتة ولا تتغير بتغير الرؤساء فأي رئيس يأتي إلى البيت الأبيض سواء كان جمهوريا أو ديمقراطيا لا يعدوا أن يكون منفذا لما هو مرسوم ومتفق عليه والاختلاف فقط هو في الاسلوب والتعاطي الهادئ والمعقول بعكس ما يقوم به ترمب بإسلوبه العنيف والفج من تهور كونه في الأصل رجل أعمال لا يعرف سوى جباية الأموال وليس سياسيا محنكا يستطيع أن يحقق أهداف السياسة الأمريكية المرسومة سلفا بوسيلة مناسبة تحقق الغاية منها دون أن تلحق ضررا بالجانب الآخر الذي يتطلب منه أن يكون تابعا لأمريكا ويسير في فلكها ، ونعتقد أن الأيام القادمة ستثبت للعالم بأن الرئيس ترمب على خطأ في تعامله مع الآخرين وأن من سارعوا بالتعاون معه من الحكام العرب وراهنوا عليه وقدموا له الترليونات من الدولارات في محاولة منهم لكسب وده وكف أذاه عنهم سيندمون خاصة بالنسبة لهرولتهم نحو التطبيع مع إسرائيل وإذلال أنفسهم أمامه وتسليم له ثرواتهم التي شعوبهم أحق بها منه معتقدين أنه بدون حماية أمريكا لهم ستتهاوى عروشهم وتنهار كراسي حكمهم فأصبحت إرادتهم مستمدة من إرادة ترمب التي ستذهب في النهاية أدراج الرياح وربما قد يأتي لهم العقاب ممن سيرث البيت الأبيض بعد مغادرة ترمب له مجبرا أو بعد انتهاء ولايته وعليهم أن يتحملوا نتائج ما اقترفته أيديهم .

تقييمات
(1)

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا