ماذا فعل الحمدي مع رجل المرور الذي أوقف سيارته !
صورة نادرة للرئيس الشهيد ابراهيم الحمدي وهو يكرم احد رجال المرور في التحرير
صورة نادرة للرئيس الشهيد ابراهيم الحمدي وهو يكرم احد رجال المرور في التحرير
هذه الصورة لها قصتها وحكايتها ففي ذلك اليوم من أيام العام 1975م كان شرطي المرور - أحمد ناجي علي العامري - في مكانه المعتاد بجولة التحرير يتنقل بين صفوف المركبات بحيوية ويقظة يومها كانت عدة مركبات تنتظر دورها بالعبور، ثم انضمت للطابور سيارة أخرى لم يكن عليها غير السائق، ولفت نظر الشرطي المذكور أن ذلك السائق طوى الغُتْرة حول وجهه بإحكام وعناية وبشكل يبعث على الارتياب، فناداه على الفور: "ياااااي على جنب يا بو الغترة"..
وكاد الحظ يلعب لمصلحة السائق (الملثم) ففي نفس اللحظة لمعت الإشارة الخضراء فسارع الرجل إلى انتهاز الفرصة للانطلاق متجاهلاً أوامر الشرطي، لكن الأخير وثب بخفة الفهد أمام السيارة، وخبط بباطن كفه الغليظة سطح "الكبوت" (غطاء المحرك) بكل عنف وهو يصرخ فيه: " عسى من تكووون ؟!!! من يقولوا لك ؟!!! ليش ما توقف على جنب ؟!" .
ثم تقدم نحوه مضيفاً بسخرية: "لكن مش منك، من آذه اللثمة اللي على وجهك " قالها وهو يمد يمناه من خلال نافذة السيارة محاولاً نزع اللثام بصورة مباغتة، غير أن السائق (الغامض) استطاع تحاشيه وافشال المحاولة، ثم شرع في محاولات الترجي والاستعطاف، فازدادت شكوك الشرطي حوله، وتضاعف إصراره على ضرورة رفع طابع السرية عن هوية ذلك المجهول مهما كلف الأمر، لكن حنقه وغيضه بلغا مداهما حين تمادى السائق (الملثم) أكثر بمحاولة شراء صمته بالنقود.. وعندها تجمهر الناس حولهما بينما كان الشرطي في أوج انفعاله، وبدا كما لو أنه يلتحم مع السائق (القابع في مقعده)، وحين أسرعوا إلى فض الاشتباك كان قد نجح في مهمته ..
" أكيد سويت جريمة وتخبي وجهك"، قالها الشرطي بلهجة جمعت بين الظفر والشماتة بعد تمكنه من إماطة لثام السائق، وقبل أن يتبين الملامح بما يكفي أبعده الرجال للخلف، ثم أصابهم الوجوم فجأة حين شاهدوا الرئيس المقدم إبراهيم محمد الحمدي بشحمه ولحمه يقعد أمامهم مبتسماً هادئاً وبمنتهى البرود، ولحظتها كان وقوفهم لازال يشوش مجال الرؤية على الشرطي، لكن فور تمكن الاخير من التمعن في وجه السائق ارتفع حاجباه إلى أعلى جبهته وربما لأعلى من جبهته نفسها وكأنهما صعدا بكبسة زر على متن رافعة هيدروليكية، بينما اختنقت عبارات الاعتذار المرتبكة بين شفتيه الجافتين، قبل أن يشده الرئيس الحمدي إليه مقاطعاً إياه : "أنا من يجب أن يعتذر" .. وانصرف الجميع بعد مغادرة الرئيس وهم مذهولون، بينما كان نصيب شرطي المرور القلق وحده، وليس شيء سوى القلق..
في اليوم التالي كان الشرطي العامري منشغلاً بتسوية بعض الحفر في اسفلت الشارع إياه بمادة الاسمنت كعادته كلما قام أحدهم بأعمال بناء في الأماكن القريبة -حيث يأخذ حمولة عربة يدوية أو اثنتين من خلطة الاسمنت وأحياناً يُسمح له المقاولون بأكثر-، لكنه توقف حين هرعت دورية عسكرية تتبع القيادة العامة للقوات المسلحة والأمن للجولة إياها، فاستقلها بهدوء ودون إبداء أي اعتراض، وفي طريقه لمواجهة مصيره المحتوم ظل يتساءل بينه وبين نفسه: " ماذا سيحل بي من غضب القائد الحمدي؟ أين سيكون مصيري القلعة أو الرادع؟ ". (ربما كان يخشى احتمال أن يعاقب على كشف هوية الرئيس بحجة تعريض رئيس وأمن الدولة للخطر بتصرفه).
ثم يحاول طمأنة نفسه : ' لا لا انا اديت واجبي "..
ويستمر بالمراوحة هامساً : " صح اديت واجبي لكني انفعلت وغلطت على القائد الحمدي ولهذا لابد من حبس أقل حاجة شهر أو أحسن شي أطلب تسريحي من الخدمة أدب لي على تطاولي".
وفي غمرة انشغاله اجتازت الدورية بوابة مبنى القيادة العامة، ثم وجد الشرطي العامري نفسه أمام مدير مكتب القائد العام، ولاحظ تواجد أبرز القادة بوزارة الداخلية محسن اليوسفي أمامه، وبمجرد وصوله مباشرة أدخله مدير المكتب إلى القائد المقدم إبراهيم الحمدي الذي قام باستقباله ومصافحته بحرارة ومودة بالغتين، وبوجود اليوسفي الذي تم استدعاؤه خصيصاً لأجل التكريم كان الشرطي أحمد ناجي علي العامري المولود في قرية النوبة -أعمور (التابعة لحيفان -لواء تعز) يتلقى شهادة تقدير ويمنح مكافأة مالية من قبل الرئيس ثم جرى تقليده وساماً -كما في الصورة-